للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإمساك عما شجر بين الصحابة من عقيدة أهل السنة والجماعة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم، ونعلم أن المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم وما كان من السيئات، وقد سبق لهم من الله الحسنى، فإن الله يغفر لهم إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة أو غير ذلك، فإنهم خير قرون هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم)، وهذه خير أمة أخرجت للناس].

يقول المؤلف رحمه الله مبيناً معتقد أهل السنة والجماعة: (وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم) يعني: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإمساك -ومعنى الإمساك: هو السكوت- عما شجر بين الصحابة، يعني: عما حصل بينهم من الخلاف، كالنزاع والقتال، فيجب الإمساك عنه، ولا يجوز إفشاؤه.

قال المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين) أي: في الشيء الذي ثبت عنهم، وبين المؤلف رحمه الله هذا المعنى بشكل أوضح في رسالة العقيدة الواسطية فقال: والمنقول عن الصحابة أنواع: منها: ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها: ما يوجد له أصل، ولكن زيد فيه أو نقص منه أو غير عليه، ومنها: ما هو ثابت في الصحيح، والثابت في الصحيح بين أمرين: فإما مجتهد مصيب له أجران، أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، وإما مجتهد مخطئ فله أجر الاجتهاد، وخطؤه مغفور.

ثم نعتقد أن كل واحد من الصحابة ليس معصوماً من كبائر الذنوب ولا من صغائرها، فهم ليسوا أنبياء، والعصمة للأنبياء فقط، فالنبي معصوم عن الشرك وعن الكبائر ومعصوم فيما يبلغ عن الله، أما الواحد من الصحابة فليس معصوماً وقد تقع منه الذنوب، لكن إذا وقع منه الذنب فهناك أسباب المغفرة، فإن ما يحصل من الصحابة اجتهاد فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وإن وقع في ذنب محقق فأسباب المغفرة كثيرة: فقد يتوب إلى الله، فإما أن يغفرها الله له بتوبته فيتوب عليه، أو يغفرها له بإقامة الحد عليه في الدنيا مثلاً، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم، وهم أولى الناس بشفاعته، فإنهم خير قرون هذه الأمة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وهم كانوا مجتهدين) أي: فيما شجر بينهم، إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح، ومغفور لهم ما كان عليهم من السيئات.

وقد سبق لهم من الله الحسنى، ووعدهم الله بالجنة، فإن الله يغفر لهم الذنوب المحققة: إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو غير ذلك مثل: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم خير قرون هذه الأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم)، وبهذا يتبين أن معتقد أهل السنة والجماعة: الإمساك والسكوت عن الخلافات التي حصلت بين الصحابة فلا تتحدث عنها ولا تنشرها.

وبهذا ينبغي ألا تستمع للأشرطة التي سجلها بعض الناس في الصحابة والخلاف الذي بينهم، لأن هذه طريقة أهل البدع، فبعض الناس يسجل أشرطة ينقل فيها النزاع والخلاف والحروب التي حصلت بين الصحابة وينشرها، ويتكلم بالكلام السيئ، مثل أشرطة طارق السويدان، فـ طارق السويدان له أشرطة سيئة عن الصحابة، فلا ينبغي لطالب العلم استماعها، بل ينبغي له البعد عنها والتحذير منها؛ لأنها مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة، ومعتقد أهل السنة والجماعة هو: السكوت عما شجر بين الصحابة من الخلافات وغيرها، واعتقاد أنهم أفضل وأخير الناس بعد الأنبياء، وأن ما حصل بينهم من اختلاف لا يخرج عن كونه إما مجتهد مصيب له أجران أو مجتهد مخطئ له أجر، وأن ما يروى عنهم من الأخبار لا يخرج عن كون بعضها كذباً لا أساس له من الصحة، وبعضها له أصل لكن زيد فيه بعض الكذب، أو نقصوا فيه، أو غيروه عن وجهه.

وبعض الذنوب المحققة صحيح ثابت، لكن هذا الثابت إما أن يمحى عنه بالتوبة أو بالحسنات أو بالمصائب أو بسابقتهم وفضلهم وجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهذا يتبين أن من ينشر ويثير الخلافات بين الصحابة فهو مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة، ويجب هجره وعدم الاستماع لكلامه، ومن ذلك: أشرطة طارق السويدان، فينبغي هجرها وتركها وعدم سماعها والتحذير منها، لما فيها من مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة بنشر ما شجر بين الصحابة من الخلافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>