للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم معتزلي هذه الفتنة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الذين قعدوا عن القتال في الفتنة كـ سعد بن أبي وقاص وابن عمر وغيرهما رضي الله عنهم فاتبعوا النصوص التي سمعوها في ذلك عن القتال في الفتنة، وعلى ذلك أكثر أهل الحديث] يعني: أن طائفة من الصحابة اعتزلوا الفريقين، فلم يقاتلوا مع علي ولم يقاتلوا مع معاوية؛ لأن الأمر اشتبه عليهم فقالوا: لا ندري هل الحق مع علي أم مع معاوية؟ وقالوا: بأن النصوص الكثيرة قد جاءت بالأمر بالاعتزال في الفتنة وعدم الدخول فيها، وهذه فتنة، ومنها: (اعتزل الفتنة)، ومنها: (اكسر سيفك في الفتنة)، وكذلك منها: (إذا كنت قائماً فاقعد، وإن كنت قاعداً فاضطجع).

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نجلس في الفتنة وألا نشارك فيها وأن نكسر سيوفنا، فاشتبه الأمر عليهم.

وكان سعد بن أبي وقاص ممن اعتزل الفريقين، فلم يقاتل مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكذلك ابن عمر، وأبو بكرة، وأسامة بن زيد، فقد اتعظ لما قتل رجلاً وعنفه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد عليه فلم يدخل مع الفريقين، واعتزل سلمة بن الأكوع الفريقين وذهب إلى البادية وتزوج، وقال: إن الرسول أذن لي في البدو، فكان هؤلاء الصحابة ممن اشتبه الأمر عليهم فلم يتبين لهم مع من الحق، ويسميهم بعض الناس: مرجئة الصحابة؛ لأنهم أرجئوا أمر هؤلاء وهؤلاء إلى الله ولم يعلموا أن الحق مع هؤلاء أو مع هؤلاء، وكان الصواب مع علي ومن قاتل معه، وهذا هو الذي عليه جماهير الصحابة، فوجب القتال معه؛ لأنه الخليفة الراشد عملاً بالآية الكريمة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا} [الحجرات:٩]، فقال: (قاتلوا) ولم يقل: اجلسوا، قال: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات:٩]، فأكثر الصحابة قاتلوا معاوية عملاً بهذه الآية، ولأنهم بغاة لم يبايعوا، فيجب إخضاعهم حتى لا تكون فتنة، وكل له عذر، فـ علي مصيب وعذره معروف، ومعاوية وأصحابه مجتهدون ولهم عذر، ومن اعتزل الفريقين أيضاً له عذر، فكل له عذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>