للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الناس في الحكم على يزيد بن معاوية]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي يزيد بن معاوية، وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ، ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يزيد بن معاوية، وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ، فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ يزيد كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى.

وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ، هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، وَإِنَّهُ قَتَلَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَقَتَلَ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَهُمْ بِالْحَرَّةِ، لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا كُفَّارًا، مِثْلُ جَدِّهِ لِأُمِّهِ عتبة بن ربيعة وَخَالِهِ الوليد وَغَيْرِهِمَا، وَيَذْكُرُونَ عَنْهُ مِنْ الِاشْتِهَارِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ وأَشْيَاءَ.

وَأَقْوَامٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَقُولُونَ: مَنْ وَقَفَ فِي يزيد وَقَّفَهُ اللَّهُ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ، وَيَرْوُونَ عَنْ الشَّيْخِ حسن بن عدي أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلِيًّا، ومن وقفوا فيه وَقَفُوا عَلَى النَّارِ لِقَوْلِهِمْ فِي يزيد، وَفِي زَمَنِ الشَّيْخِ حسن زَادُوا أَشْيَاءَ بَاطِلَةً نَظْمًا وَنَثْرًا.

وَغَلَوْا فِي الشَّيْخِ عدي وَفِي يزيد بِأَشْيَاءَ مُخَالِفَةٍ لِمَا كَانَ عليه الشَّيْخُ عدي الْكَبِيرُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنَّ طَرِيقَتَهُ كَانَتْ سَلِيمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ وَابْتُلُوا بِرَوَافِضَ عَادُوهُمْ وَقَتَلُوا الشَّيْخَ حسناً وَجَرَتْ فِتَنٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ].

يقول المؤلف رحمه الله: (ولم يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي يزيد بن معاوية) يعني: في عهد يزيد ما كان أحد يتكلم في يزيد بن معاوية أو يسبه، (وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ) لأن يزيد بن معاوية إنما بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه معاوية.

(ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يزيد بن معاوية) يعني: كانوا يلعنونه؛ لأنه قتل الحسين حسب زعمهم، (وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ) يعني: بعض الناس يلعن يزيد حتى يلعن غيره، (فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ) يعني: أهل السنة يكرهون أن يلعن أحد بعينه، فلا تقل: فلان عليه لعنة الله، وإنما تلعن على العموم، فتقول: لعن الله شارب الخمر، لعن الله آكل الربا، لعن الله السارق، أما فلان بن فلان ملعون فلا، وهذا هو الصواب، لا نلعن المعين؛ لأنه قد يتوب الله عليه، وقد تمحى سيئته، فلا يلعن بعينه.

ثم قال: (فَسَمِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ يزيد كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى) يعني: جاء قوم بعدهم ممن كان ينتسب إلى السنة، فاعتقد أن يزيد كان من كبار الصالحين وأئمة الهدى، (وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ، هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ وَأَقْوَامٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا) فالناس في يزيد بن معاوية طرفان: طرف يقول: إن يزيد بن معاوية كافر زنديق لأنه قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطرف آخر يقولون: إن يزيد كان إماماً عادلاً هادياً مهدياً، وأنه كان من الصحابة أو أكابر الصحابة وأنه من أولياء الله تعالى، وربما اعتقد بعضهم أنه نبي، وكل هذا باطل، والصواب الوسط، وهو أن يزيد بن معاوية ليس من الصحابة، وليس نبياً ولا إماماً عادلاً، ولكنه من ملوك المسلمين الذين لهم حسنات وسيئات، كغيره من الملوك، لا نقول: إنه نبي أو إنه هاد مهدي أو مصلح، ولا نسبه ولا نشتمه، بل نتوقف، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وصار الغلاة فيه على طرفي نقيض هؤلاء يقولون: إنه كافر زنديق) وهم طائفة (وإنه قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل الأنصار وأبناءهم بالحرة) وهي: وقعة الحرة المعروفة، هذه الوقعة حصلت بسبب: أن أهل المدينة بقيادة عبد الله بن مطيع خلعوا يزيد، وكان خليفة والخلافة في الشام، فخلعوا في المدينة يزيد، فنهاهم ابن عمر ونصحهم، وقال: لا يجوز الخروج على ولاة الأمور وهذا يسبب الفتن، فلم يسمعوا له ويطيعوه، فأرسل يزيد بن معاوية من الشام جيشاً لقتال أهل المدينة وإخضاعهم؛ لأنهم خرجوا على خلافته، فقاتلهم هذا الجيش وأخضعهم، ويقال: إنه استباح المدينة ثلاثة أيام عقوبة لهم، يعني: كل يفعل ما يشاء ثلاثة أيام، لا يحد من الزنا أو السرقة أو غيرها نعوذ بالله.

فإذاً: بعض الناس غلا في يزيد فقال: إنه كافر زنديق؛ لأنه قتل ابن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل أصحابه، وفي وقعة الحرة قتل فيها خلقاً كثيراً من الصحابة وأبناء الأنصار، وفعل فيها ثلاثة أيام كذا وكذا.

وأقوام يقولون: إن يزيد إمام عادل هاد مهدي، بل قال بعضهم: إنه من الصحابة، بل قال بعضهم: إنه من كبار الصحابة، بل قال بعضهم: إنه من أولياء الله، بل اعتقد بعضهم أنه من الأنبياء، ويقول هؤلاء الذين يغلون في يزيد: (من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم).

يعني: من توقف في يزيد ولم يمدحه ويثني عليه فهذا يعذب في نار جهنم، هكذا يقولون.

يقول رحمه الله: [وَهَذَا الْغُلُوُّ فِي يزيد مِنْ الطَّرَفَيْنِ خِلَافٌ لِمَا أَجْمَعَ عليه أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ.

فَإِنَّ يزيد بن معاوية وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَكَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا كَانَ كَافِرًا زِنْدِيقًا؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ.

يقول المؤلف: (هذا الغلو في يزيد خلاف لما أجمع عليه أهل العلم والإيمان) قلنا: إن بعضهم غلا وقال: إنه كافر زنديق، وبعضهم غلا في مدحه وقال: إنه إمام صالح هاد مهدي، أو إنه نبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>