للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَأَوْجَبَ عليهمْ مُعَادَاةَ الْكَافِرِينَ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عليمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥١ - ٥٦].

فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِ هُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ نِسْبَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٢] إلَى قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال:٧٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:٩ - ١٠].

] في هذا البحث بين المؤلف رحمه الله أن الله تعالى أوجب على المؤمن أن يوالي أخاه المؤمن، وأن المؤمنين يجب أن يوالوا بعضهم بعضاً، وموالاة المؤمن: يعني نصره وحبه وتأييده والدفاع عنه، والوقوف معه في السراء والضراء، فكما أوجب الله على المؤمن موالاة المؤمنين كذلك أوجب معاداة الكفار، وبغضهم والبعد عنهم، وبغض دينهم، وعدم مصادقتهم ومخاللتهم، فلا يتخذ الكافر صديقاً، ولا يركن إليه، بل على المؤمن أن يبغضه ويبغض دينه.

إذاً واجب على المؤمن أن يوالي المؤمنين، أي: ينصرهم ويحبهم ويواليهم ويدافع عنهم، وواجب عليه أن يعادي الكفار ويبغضهم ولا يتولاهم ولا يحبهم ولا يوافقهم فيما هم عليه ولا يعاشرهم ولا يصادقهم، وإنما إذا عاملهم تكون معاملة دنيوية على حسب الحال من البيع والشراء معهم إذا احتاج، وهذا لا يلزم منه موالاة، فقد أوجب الله على المؤمنين موالاة المؤمنين ومعاداة الكفار.

أوجب الله موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأوجب عليهم معاداة الكافرين، وقد سرد المؤلف رحمه الله الآيات التي في سورة المائدة والتي نهى الله فيها عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} [المائدة:٥١] يعني أيها المسلمون! {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، فتولي الكفرة ردة وكفر، أما الموالاة فهي معصية وكبيرة، والموالاة هي: المعاشرة والمخالطة بدون حاجة لا لبيع ولا لشراء ولا للدعوة إلى الله، فيتخذ الكافر صديقاً، أما التولي فهو: محبتهم بالقلب، وينشأ عن ذلك نصرتهم وإعانتهم على المسلمين، فهذا ردة، فمن أحب الكافر بقلبه وأعانه على المسلمين بالسلاح أو بالرأي أو بالمال فهو كافر مثله؛ ولهذا قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١] فالتولي ردة والموالاة كبيرة.

ثم قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم} [المائدة:٥١ - ٥٢] الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون، {يُسَارِعُونَ فِيهِم} [المائدة:٥٢] أي: يوالون اليهود والنصارى، ويقولون: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:٥٢] وحجتهم هي: أن نتخذ يداً مع اليهود ونتخذ يداً مع المسلمين، فإن انتصر المسلمون قالوا لهم: نحن معكم فأعطونا من الغنائم، وإن انتصر اليهود صاروا معهم وقالوا: نحن معكم، وإنما أظهرنا لهم أننا منهم ونحن معكم، ولهذا كان عبد الله بن أبي يوالي بعض اليهود فإذا قيل له: لماذا؟ قال: أنا أخشى الدوائر.

فإذا كانت الدائرة لليهود فيكون لي معهم يد.

قال الله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٢ - ٥٤]، هذا هو وصف المؤمنين: يحبون الله ويحبهم الله.

{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:٥٤] أي أنهم يعطفون على إخوانهم، ويرقون لهم، ويخفضون الجناح لهم، لكنهم على الكفار أعزة وأقوياء.

{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:٥٤ - ٥٥]، فهذا هو الإيمان، فولي المؤمن هو الله ورسوله والمؤمنون.

من هم المؤمنون؟ قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥٥ - ٥٦].

ثم علق المؤلف على الآية فقال: فقد أخبر سبحانه أن ولي المؤمن هو الله ورسوله وعباده المؤمنون، وهذا عام في كل مؤمن موصوف بهذه الصفة، وكل مؤمن فهو ولي للمؤمنين، وكل مؤمن وليه الله ورسوله والمؤمنون سواء كان منتسباً إلى حرفة، أو كان جزاراً، أو خياطاً، أو بناءً أو مزارعاً، أو تاجراً، أو موظفاً، أو عربياً، أو عجمياً، سواء كان منتسباً إلى نسبة معينة، أو بلدة من البلدان سواءً كانت في المشرق أو في المغرب، أو كان على مذهب الشافعي أو كان مالكياً أو حنفياً، فكل من اتصف بهذه الصفات فهو ولي المؤمن، لا تنظر إلى حرفته ولا إلى بلده ولا إلى نسبته، كل مؤمن تقي متصف بهذه الصفات نتولاه بقطع النظر عن الحرفة وعن النسبة والبلدة والمذهب والطريق.

قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:٧١]، فالمؤمن ولي أخيه ينصره ويؤيده مهما كان.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٢]، فهذه هي أوصافهم، فمن اتصف بهذه الصفات فهو ولي، فيجب على المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضاً، فإذا كان مؤمناً مهاجراً مجاهداً آوى ونصر فهذا هو المؤمن الذي يتولى.

قال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال:٧٥].

وقال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩] لماذا نص

<<  <  ج: ص:  >  >>