للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين]

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وكيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا التفريق الذي حصل من الأئمة: علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:١٤].

فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب].

كلام المؤلف كلام عظيم يكتب بماء الذهب، وهذه الجمل التي قرئت كلمات عظيمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب لعظم شأنها، وليس المراد أن تكتب بماء الذهب فقط للتجمل، بل لما اشتملت عليه من العلم العظيم المأخوذ من الكتاب والسنة، فجدير بطالب العلم أن يتأمل هذه العبارات ويعمل بها.

يقول المؤلف: كيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد يكون السبب في إطلاق هذه المسميات؛ لأن هذا ينتسب إلى بلد، أو لأن هذا ينتسب إلى مذهب، أو لأنه ينتسب إلى فرقة، أو هذا ينتسب إلى قبيلة، ويفرق كل التفريق بين الناس في هذه الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان.

والأصل أن التفريق بين الناس يكون بالإيمان والكفر والسنة والبدعة، هذا هو الميزان، فالموالاة والمعاداة تكون على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الأسماء المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا يجوز أن تفرق بين الناس بسبب أن هذا موافق لك؛ لأنه من أهل بلدك فتواليه، وإذا كان من غير بلدك تعاديه، أو إذا كان يوافقك في المذهب تواليه وإذا خالفك تعاديه، أو من أهل فرقتك، فهذه الأمور ما أنزل الله بها من سلطان.

ثم قال المؤلف رحمه الله: وهذا التفريق الذي حصل من علمائنا ومشائخنا وأمرائنا وكبرائنا هو الذي أوجب تسلط الأعداء علينا، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله.

يعني: أن تفرق الأمة وتفرق علمائها وأمرائها وكبرائها أوجب تسلط الأعداء عليهم؛ لأنهم إنما تفرقوا بالباطل لا بالحق، حيث إنهم تركوا العمل بطاعة الله ورسوله، ومن ترك طاعة الله ورسوله وفرق بين الناس في أمور ما أنزل الله بها من سلطان فهو عاصٍ، ومن عصى الله سلط عليه الأعداء وحلت به العقوبات والنكبات، قال الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:١٤].

انظر إلى قوله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} [المائدة:١٤] فأخذ الله عليهم الميثاق والعهد، والميثاق ذكره الله في قوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة:١٢] والميثاق هو: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المائدة:١٢]، والجزاء هو {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة:١٢]، وقال: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} [المائدة:١٤] ولكنهم لم يلتزموا فقال الله عنهم: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة:١٤].

ولقد جازاهم الله بهذا وذلك بسبب معصيتهم، ثم جاء التهديد أيضاً: {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:١٤].

إذاً الأمر خطير، والتفريق بين الأمة في أمور ما أنزل الله بها من سلطان، والموالاة والمعاداة من أجلها، وترك العمل بطاعة الله يسبب العداوة والبغضاء وتسليط الأعداء، كما أن النصارى لما أخذ الله منهم الميثاق ولم يعملوا به جعل الله بأسهم بينهم، وجعل الله بينهم العداوة والبغضاء؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، فإذا ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وتركوا العمل بطاعة الله وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا وقعت العداوة والبغضاء تفرقوا، وإذا تفرقوا فسدوا وهلكوا، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥].

وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب؛ ولهذا بين الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [يونس:١٩].

وذم الله المختلفين في آخر سورة هود فقال: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:١١٨ - ١١٩]، فاستثنى من وصفهم بالرحمة من الاختلاف، أي: إلا من رحم الله فليسوا مختلفين.

{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:١١٨ - ١١٩].

إذاً: فالفرقة عذاب، والجماعة رحمة وصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>