للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضل قراءة القرآن وكيفية قراءته الصحيحة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولهذا كان أعظم الأذكار التي في الصلاة قراءة القرآن، وأعظم الأفعال السجود لله وحده لا شريك له، وقال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨].

وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤].

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والباقي يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول لـ أبي موسى رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون.

ومر النبي صلى الله عليه وسلم بـ أبي موسى رضي الله عنه وهو يقرأ فجعل يستمع لقراءته، فقال: (يا أبا موسى، مررت بك البارحة فجعلت أستمع لقراءتك.

فقال: لو علمت لحبرته لك تحبيراً.

وقال: لله أشد أذناً - أي استماعاً- إلى الرجل يحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)].

قال رحمه الله: ولهذا كان أعظم الأذكار التي في الصلاة: قراءة القرآن، يعني: أن الصلاة هي أعظم المعروف بعد توحيد الله عز وجل، وأعظم الأذكار فيها قراءة القرآن، قال: ولهذا كان أعظم الأذكار التي في الصلاة قراءة القرآن، وأعظم الأفعال السجود لله وحده لا شريك له، إذاً فالصلاة فيها أقوال وأفعال، فأعظم الأقوال والتي هي الأذكار في الصلاة: قراءة القرآن، وأعظم الأفعال السجود لله عز وجل، وبه تختم الركعة، فالسجود أعظم الأفعال في الصلاة؛ لأن الساجد يعفر وجهه بالتراب ويجعله على الأرض والوجه هو أشرف شيء، وذلك خضوعاً لله عز وجل.

وقال تعالى: {وََقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨] يعني: وقراءة الفجر، وقرآن الفجر هو صلاة الفجر، فسميت صلاة الفجر قرآناً لأن أطول ما فيها القراءة، فلهذا سميت قرآناً، قال تعالى: {وََقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:٧٨] يعني: وصلاة الفجر.

{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨] يعني: صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فيصعد ملائكة الليل ويبقى ملائكة النهار.

قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤]، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والباقي يستمعون، فيتأملون ويتدبرون ويتفكرون في الآيات، وكذلك الحديث فكان يقرأ واحد الحديث والباقي يستمعون إليه، أو القصيدة المفيدة التي تحوي على الحكم فيقرأ واحد والباقي يستمعون، أما ما يفعله بعض الناس من الأناشيد الجماعية الآن وتجده يلحن الأناشيد تلحين الغناء، فلا يفرق بينه وبين الغناء، وبعضهم ينشد نشيداً جماعياً، يرفعون فيه الصوت رفعاً واحداً ويخفضونه خفضاً واحداً، هذا معناه أن المستمع إنما يتلذذ بالأصوات وبالنغمات فقط، ويتأمل متى يرفعون الصوت ومتى يخفضون الصوت دون أي فائدة، وهذا فيه مشابهة للصوفية، فنصيحتي للشباب: أن يتركوا ما يسمونه بالأناشيد الإسلامية، فهذه ليست أناشيد إسلامية، والإسلام منها بريء، كونه بصوت واحد ويلحنونها تلحين الغناء، حتى لو لم يلحنوا فلا فائدة فيها، فالمسلم لا يستفيد منها، إلا من النغمات فقط، لكن إذا قرأ واحد قراءة عادية ليس فيها تلحين والباقي يستمعون، سواء كان يقرأ القرآن وهو أعلى الذكر، أو حديث أو قصيدة مفيدة، واحد يقرأ والباقي يستمعون، أما جماعة يقرءون فلا فائدة في ذلك، ولا أحد يتدبر، ولا أحد يتأمل، ولا ينظر إلا إلى النغمات، وهذا من استحواذ الشيطان على بعض الشباب الطيبين والذين عجز عنهم الشيطان أن يسمعوا الغناء فجاءهم من هذا الباب، بحجة أن هذه أناشيد إسلامية وهي ليست كذلك، فكانوا يأمرون واحداً يقرأ والباقي يسمع، وهذا الذي يقرأ لا يلحن تلحين الغناء، فإذا لحن تلحين الغناء ما حصل المقصود، مثلما يفعل بعض الناس يقرء القصيدة لكنه يلحنها تحلين الغناء ويتأوه ويمطط، فهذا لا يجوز، حتى في قراءة القرآن، فبعض القراء والعياذ بالله يغني، وبعض المغنين، يغني قل هو الله أحد، والعياذ بالله.

أو يغني بالحديث، حتى الأذان وقراءة القرآن ينبغي أن تكون قراءة عادية فلا يكون فيها تطريب، ولهذا ثبت في صحيح البخاري أن عمر بن عبد العزيز قال لمؤذن له: أذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا.

فبعض الناس إذا أذن يمطط الأذان تمطيطاً، وتلحيناً، ويأتي إذا انتهى الصوت بصوت آخر بعده، ولهذا قال العلماء: يكره الأذان الملحن وتكره القراءة الملحنة.

وبعض المؤذنين يعدم المناسبة فتجده لا تتناسب تكبيراته، فالتكبيرة الأولى قصيرة، فينبغي أن تكون التكبيرات متعادلة، التكبيرة الأولى تعادل التكبيرة الثانية.

والشهادة الأولى تعادلها الشهادة الثانية في الطول.

وبعض المؤذنين يعجب بأذان المطربين والملحنين فيقلدهم، فالتلحين في الأذان مكروه، كما أن قراءة القرآن تكون بأن يقرأ واحد والباقي يستمعون، فلو قرءوا القرآن بشكل جماعي فهذا ليس مشروعاً إلا إذا كان من باب تعليم الصبيان؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والباقي يستمعون، فلا يقرءون قراءة جماعية، أما أن يقرءوا قراءة جماعية فهذا لا فائدة فيه.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لـ أبي موسى رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون؛ لأن الصلاة تذكر بالله عز وجل.

ومر النبي صلى الله عليه وسلم بـ أبي موسى! رضي الله عنه وهو يقرأ فجعل يستمع لقراءته، فقال: (يا أبا موسى، مررت بك البارحة فجعلت أستمع لقراءتك، فقال: لو علمته لحبرته لك تحبيراً).

يعني: من أجل استماع النبي صلى الله عليه وسلم فأقره على ذلك فتحسينها مشروع وليس المراد من قوله: (حبرته لك) الرياء، وإنما المقصود بقوله: (حبرته لك) يعني: باستماعك له، حتى تحصل فضيلة تحسين الصوت، وحتى يستفيد من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد أذناً - أي: استماعاً - إلى الرجل يحسن صوته بالقراءة من صاحب القينة إلى قينته).

وهذا من صفات الله، والأذن هو الاستماع، وهي من الصفات التي تليق به سبحانه وتعالى كسائر الصفات.

(لله أشد أذناً - أي: استماعاً - من الرجل يحسن صوته من صاحب القينة إلى قينته).

يعني: المغنية إلى مغنيته.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا هو سماع المؤمنين وسلف الأمة وأكابر المشايخ كـ معروف الكرخي والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ونحوهم، وهو سماع المشايخ المتأخرين الأكابر كالشيخ عبد القادر والشيخ عدي بن مسافر والشيخ أبي مدين وغيرهم من المشايخ رحمهم الله.

وأما المشركون فكان سماعهم كما ذكره الله في كتابه بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:٣٥].

قال السلف: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق باليد، فكان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام يصفقون ويصوتون ويتخذون ذلك عبادة وصلاة، فذمهم الله على ذلك وجعله من الباطل الذي نهى عنه، فمن اتخذ نظير هذا السماع عبادة وقربة يتقرب بها إلى الله فقد ضاهى هؤلاء في بعض أمورهم، وكذلك لم تفعله القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعله أكابر المشايخ.

وأما سماع الغناء على وجه اللعب فهذا من خصوصية الأفراح للنساء والصبيان كما جاءت به الآثار؛ فإن دين الإسلام واسع لا حرج فيه].

وهذا فيه بيان سماع المؤمنين وسماع المشركين، فسماع المؤمنين هو سماع القرآن، يستمعون القرآن وذلك بأن يقرأ أحدهم والباقي يستمعون كما كان الصحابة رضوان الله عليهم، وكما كان عمر يقول لـ أبي موسى الأشعري، وكما استمع النبي صلى الله عليه وسلم لقراءة أبي موسى الأشعري، فهذا هو سماع المؤمنين وسلف الأمة وأكابر المشايخ ومثلهم معروف الكرخي والفضيل بن عياض وأبي سليمان وغيرهم، سماعهم هو سماع القرآن ومنه سماع الأحاديث أيضاً، سماع القصائد المفيدة.

وأما المشركون فسماعهم -كما ذكر الله- هو المكاء والتصدية، أي: الصفير والتصفيق، ويتعبدون بذلك، يقول المؤلف: فكان سماعهم كما ذكره الله في كتابه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:٣٥].

قال السلف: المكاء الصفير والتصدية التصفيق باليد، فكان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام يصفقون ويصوتون ويتخذون ذلك عبادة وصلاة، فذمهم الله على ذلك وجعل ذلك من الباطل الذي نهاه، والتصفيق ليس من شأن الرجال وإنما هو من شأن النساء، ولهذا إذا صلى في المسجد رجالاً ونساء وأخطأ الإمام في صلاته سبح الرجال وصفقت النساء، فالرجل يسبح يقول: سبحان الله سبحان الله، والمرأة تصفق تنبيهاً للإمام، ويكون التصفيق بباطن كفها اليمنى على ظهر كفه اليسرى تنبيهاً، وذلك لئلا يفتتن بصوتها، ولكن تجد بعض الناس في الحفلات إذا أعجبهم شيء صفقوا ويصفرون أيضاً، وهذا لا ينبغي لأهل الإسلام أن يتشبهوا بالكفرة وبالنساء، بل إذا أعجبك شيء قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أو سبحان الله سبحان الله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه شيئاً سبح أو كبر.

يقول المؤلف: فمن اتخذ نظير هذا السماع عبادة وقربة يتقرب بها إلى الله فقد ضاهى هؤلاء في بعض أمورهم، أي: أنه اتخذ هذا السماع وهو المكاء والتصدية قربة يتقرب إلى الله فقد شابه المشركين، وهذا لم يفعله أحد من القرون الثلاث التي أثنى الله عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>