للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سور في القرآن تجمل أصول الشرائع وتدعو إليها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثل أصول الشرائع كما ذكر في سورة الأنعام والأعراف وسبحان، وغيرهن من السور المكية من أمره بعبادته وحده لا شريك له، وأمره ببر الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والعدل في المقام، وتوفية الميزان والمكيال، وإعطاء السائل والمحروم، وتحريم قتل النفس بغير الحق، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتحريم الإثم والبغي بغير الحق، وتحريم الكلام في الدين بغير علم، مع ما يدخل في التوحيد من إخلاص الدين لله، والتوكل عليه، والتوكل على الله، والرجاء لرحمة الله، والخوف من الله، والصبر لحكم الله، والقيام لأمر الله، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من أهله وماله والناس أجمعين].

وهذا أيضاً من أصول الشرائع وهي داخلة في أصول الإيمان بأصول الشرائع، كما ذكر الله في سورة الأنعام والأعراف وسبحان أي: الإسراء، وغيرها من السور المكية من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، كما في سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام:١٥١].

وفي سورة الأعراف أخبر الله عن كل نبي أنه يقول لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٦٥].

وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون:٢٣].

وقال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} [الأعراف:٦٥].

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٧٣].

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٨٥].

وكذلك في سورة سبحان سورة الإسراء قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣]، وفيه: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وفيه: اعتناء أكثر السور المكية كما في سورة الأنعام والأعراف بهذه القضايا، كالإيمان ببر الوالدين، وصلة الأرحام، هذه كلها أصول الشرائع، فمنها: أن تؤمن بأن الله أمرك ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والعقود التي بينك وبين الناس، والعدل في المقال {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:١٥٢]، فيجب على الإنسان أن يعدل في كل شيء، في قوله وفعله وتوفية الميزان والمكيال، وهذه أيضاً من أصول الشرائع، ولهذا أنكر نبي الله شعيب على قومه الذين يطففون المكيال والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم، قال الله عنه أنه قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [هود:٨٥]، ومن أصول الشرائع كذلك: إعطاء السائل والمحروم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤ - ٢٥]، وهذا السائل الذي لا يعلم حاله، أما السائل الذي يعلم حاله، وأنه غير محتاج فيزجر ويمنع، والسائل له أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أن تعرف أنه محتاج وأنه فقير أو عليه دين، فهذا يعطى.

الحالة الثانية: أن تعرف أنه ليس بمحتاج، وليس عليه دين، فهذا يزجر ويمنع ويرفع به إلى ولاة الأمور لتأديبه.

الحالة الثالثة: أن تجهل حاله، فلا تدري هل هو محتاج أو غير محتاج، فهذا يعطى؛ لأنه قد يكون محتاجاً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤ - ٢٥]، ومنها أيضاً -أي: أصول الشرائع- تحريم قتل النفس بغير الحق كما قال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء:٣٣]، (وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:٣٣]، (وتحريم الإثم والبغي) كقوله: {وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ} [الأعراف:٣٣].

(وتحريم الكلام في الدين بغير علم كذلك) فهو من أصول الشرائع، ومعلوم أنه يحرم على الإنسان أن يتكلم في الدين بغير علم.

والتوحيد من إخلاص الدين لله إذ ليس هناك توحيد إلا بإخلاص الدين لله.

(والتوكل على الله، والرجاء لرحمته، والخوف من الله، والصبر لحكم الله) كل هذه من أعمال القلوب العظيمة.

وحكم الله ينقسم إلى ثلاثة أنواع: حكم الله القدري.

وحكم الله الشرعي.

وحكم الله الجزائي.

فحكم الله القدري: هو ما يقدره الله على العبد من صحة ومرض وحياة وموت وفقد أحبة إلى غير ذلك.

فالحكم القدري ليس لأحد أن يمتنع عنه، وهو جار على الصغير والكبير، فإذا قدر الله الموت على الإنسان لابد أن يموت، ولا يمكن أن يمتنع.

والثاني: حكم الله الشرعي: وهو ما حكم الله به في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وما أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣]، فهذا حكم الله الشرعي، قد يفعله بعض الناس، وقد لا يفعله بعض الناس فيتمردون على الشرع، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣]، ومن الناس من يصلى، ومنهم من لا يصلي، وقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢]، فمن الناس من امتثل النهي واجتنب الزنا، ومنهم من ارتكبه.

والحكم الثالث: حكم الله الجزائي، وهو كائن يوم القيامة حيث يجازي الله العباد، ويفصل بينهم سبحانه وتعالى في وقت واحد، لا يلهيه شأن عن شأن، كما أنه يرزقهم ويعافيهم، ويصحهم ويمرضهم في وقت واحد، فكذلك يسمع دعاءهم، ويجيب دعاءهم ويحكم بينهم سبحانه وتعالى في وقت واحد، وقوله: (الصبر لحكم الله) يعني: حكم الله القضائي القدري، وقوله: (القيام لأمره) أي: القيام بأمر الله، وهو: توحيد الله وأداء حقوق التوحيد، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من أهله وماله والناس أجمعين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تقديم محبته على كل أحد، على الأهل والمال والولد والناس أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إلى غير ذلك من أصول الإيمان التي أنزل الله ذكرها في مواضع من القرآن كالسور المكية وبعض المدنيات].

يقول: إن أصول الإيمان أنزل الله ذكرها في مواضع من القرآن في السور المكية، وبعض المدنية، وما ذكره فيه الكفاية وهو معروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>