للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا ضلالة فيما تجتمع عليه الأمة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لا نبي بعده، فعصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة، وجعل فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، ولهذا كان إجماعهم حجة كما كان الكتاب والسنة حجة، ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة والسنة والجماعة عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين].

ومعلوم أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، وهذا بإجماع المسلمين، فمن قال: إن بعده نبي فهو كافر بالله.

ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين عصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة، وجعل فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، وهذا من فضل الله وإحسانه، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى).

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، رواه أبو داود بسند لا بأس به.

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).

بل لابد أن يوجد في هذه الأمة من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، ولهذا كان إجماعهم حجة؛ لأنها لا تجتمع على ضلالة، كما كان الكتاب والسنة حجة، فالقرآن حجة، والسنة حجة، والإجماع حجة، ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة وأهل السنة والجماعة يعني: تميز أهل الحق وأهل السنة والجماعة عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين، تميزوا وانحرفوا عن الحق وأهله، وأهل الحق هم أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة فقد امتازوا عن الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين، أي: أن هذه الطائفة التي تزعم أنها تتبع الكتاب العزيز ولكن تعرض عن السنة طائفة ضالة منحرفة، ويسمون أنفسهم: القرآنيين، ويزعمون أنهم يعملون بالقرآن، ولا يعملون بالسنة، وهذا من أبطل الباطل، فإن كانوا صادقين في عملهم بالقرآن فإن الله أمرهم باتباع السنة، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:١٣٢].

وقال أيضاً: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].

فأهل الحق أهل السنة والجماعة امتازوا عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يقتصرون على العمل بالكتاب ويعرضون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن الله في كتابه أمر باتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولزوم سبيله وأمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، فقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠].

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:٦٤].

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١].

وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]].

فوضح أن الله تعالى أمر في كتابه باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولزوم سبيله وأمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، فقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، فهذا أمر صريح بطاعة الرسول وأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، فلا يأمر إلا بما فيه طاعة لله، ولهذا قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:٦٤].

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]، وهذه الآية تسمى: آية النحلة عند العلماء؛ لأنه ادعى قوم أنهم يحبون الله فامتحنهم بهذه الآية، فجعل علامة حب الله: اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن كان متبعاً للرسول كان علامة على إيمانه، ومن لم يكن متبعاً للرسول كان علامة على زيغه وضلاله.

وكذلك قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] وهذه الآية فيها نفي الإيمان عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في النزاع، بل لابد أن يحكم ثم لا يجد في نفسه حرجاً ويسلم تسليماً، أي: يطمئن طمأنينة كاملة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣]].

وحبل الله هو دينه، وما جاءكم من الشرع، فمعنى قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران:١٠٣] أي: اتفقوا ولا تتفرقوا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:١٥٩]].

هذه الآية فيها ذم لأهل الاختلاف، والآية الأولى فيها الأمر بالاعتصام والنهي عن الاختلاف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:١٠٥] وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]].

وهذه الآية فيها أمر بإخلاص العبادة لله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]].

وهذا واضح في أن الله تعالى أمر الخلق جميعاً أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء أي: مائلين عن الشرك إلى التوحيد، ومخلصين له الدين أي: مخلصين له العبادة، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥].

والدين له معاني: فيأتي بمعنى العبادة كما في هذه الآية.

ويأتي بمعنى الجزاء والحساب، مثل قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤].

وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:١٧ - ١٨].

وقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]، والدين هو: ما جاء به كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى في أم الكتاب: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون)].

ذكر المصنف رحمه الله هنا قوله سبحانه وتعالى في أم الكتاب التي هي الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧]، وهذا دعاء وسؤال لله أن يهديك الصراط المستقيم، وصراط المنعم عليهم، غير طريق المغضوب عليهم، وغير طريق الضالين، وهذا أنفع دعاء وأجمع الدعاء، وحاجة العبد إلى هذا الدعاء أكثر من حاجته إلى الطعام، بل إلى نفسه التي بين جنبيه.

و (المغضوب عليهم) هم اليهود كما قال المؤلف، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون).

وكذلك من فسد من هذه الأمة فإنه يكون شبيهاً لليهود، فإن كان من فسد من علماء هذه الأمة فيه شبه باليهود، وإن كان من عبادهم فيه شبه بالنصارى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأمر سبحانه في أم الكتاب التي لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، والتي أعطيها نبينا صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، والتي لا تجزئ صلاة إلا بها، أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم: كاليهود، ولا الضالين: كالنصارى].

وهذا الدعاء أمر الله به في أم الكتاب التي هي الفاتحة التي لم تنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، فقد ثبت أنه لم ينزل في التوراة، وهو الكتاب الذي أنزله الله على موسى، ولا في الإنجيل الكتاب الذي أنزله الله على عيسى، ولا في الزبور وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود، ولا في الفرقان وهو القرآن الذي أنزله على محمد، لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا الفرقان مثل الفاتحة، وهي سبع آيات، والتي أعطيها نبينا صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، والتي لا تجوز صلاة إلا بها، فقد أمرنا في آخرها

<<  <  ج: ص:  >  >>