للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرقة الناجية وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذه الفرقة الناجية -أهل السنة- وهم وسط في النحل، كما أن ملة الإسلام وسط في الملل، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى حيث {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]].

فالفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق، وهم الطائفة المنصورة، وهم وسط في النحل أي: بين أهل البدع، فهم وسط بين الجبرية والقدرية، فالجبرية غلوا في نفي أفعال العباد حتى قالوا: إن العبد مجبور على أفعاله، وأفعاله هي أفعال الله.

والقدرية: جفوا وفرطوا فقالوا: إن العباد لا يخلقون أفعالهم ولكن الله خلقها، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعالهم، ولم يخلقها الله فجفوا وفرطوا.

أما أهل السنة فهم وسط، فلم يقولوا بقول هؤلاء، ولا بقول هؤلاء، فقالوا: إن الله تعالى خلق العبد وخلق قدرته وإرادته، والأفعال هي أفعال العباد تنسب إليهم فهي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، ومن العباد فعلاً وتسبباً وكسباً.

كما أنهم وسط بين الخوارج والرافضة، فالرافضة غلوا حتى كفروا الصحابة وفسقوهم، وغلوا في أهل البيت حتى عبدوهم.

والنواصب -وهم الخوارج- نصبوا العداوة لأهل البيت.

وأهل السنة وسط بين مذهب الرافضة وبين مذهب النواصب، وهكذا فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]، ولا جفوا كاليهود.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا جفوا عنهم كما جفت اليهود فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقاً، وقتلوا فريقاً].

وهذا تتمة قول المؤلف في بيان وسطية الإسلام بين الملل، وفحواه: أن أهل السنة وسط بين فرق المبتدعة، كما أن هذه الأمة وسط بين الأمم، فهي وسط بين النصارى واليهود، فالنصارى غلوا، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} [التوبة:٣١]، وقالوا: إن عيسى رب وإله، واليهود جفوا كما ذكر، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله، لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى، ولم يجفوا كما جفت اليهود، فإن اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، والقسط: العدل، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقاً، وقتلوا فريقاً، وهذا من جهلهم، ولفرط خبثهم قالوا: إن عيسى ابن زنا نعوذ بالله.

أما النصارى فغلوا فيه وقالوا: إنه ابن الله، وغلوا في أحبارهم ورهبانهم فاتخذوهم أرباباً من دون الله، فأهل الإسلام والدين الحق وسط هذه الأمة، فهم وسط بين النصارى، وبين اليهود، فلا يجفون كاليهود، ولا يغلون كالنصارى، وإنما يعظمون الأنبياء ويقولون: هم أنبياء أرسلهم الله لهداية الناس، لكن لا يعبدون.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [بل المؤمنون آمنوا برسل الله وعزروهم ونصروهم ووقروهم، وأحبوهم وأطاعوهم، ولم يعبدوهم، ولم يتخذوهم أرباباً كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٧٩ - ٨٠]].

وهذا هو شأن المؤمنين، فهم آمنوا برسل الله، وعزروهم أي: عظموهم واحترموهم ونصروهم ووقروهم وأحبوهم وأطاعوهم، ولم يعبدوهم، ولم يتخذوهم أرباباً، إن المسلمين حينما عظموا الأنبياء واحترموهم ووقروهم لم يصل بهم هذا التعظيم إلى عبادتهم من دون الله، فلا يعبدونهم ولا يتخذونهم أرباباً؛ لأن العبودية حق الله عز وجل وحده ثم استشهد بالآية كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:٧٩]، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه؛ لأن الرسل معصومون عصمهم الله من الشرك والخطأ فيما يبلغون عن الله، وعصمهم الله من الكبائر، أما الصغائر فإنها قد تقع منهم، ولهذا قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٧٩ - ٨٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>