للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وسطية أهل السنة والجماعة في الصحابة بين الشيعة والنواصب]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهم أيضاً في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وسط بين الذين يغالون في علي رضي الله عنه فيفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا وكفروا، والأمة بعدهم كذلك، وربما جعلوه نبياً أو إلهاً، وبين الجافية الذين يعتقدون كفره وكفر عثمان رضي الله عنهما ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما، ويستحلون سب علي وعثمان ونحوهما، ويقدحون في خلافة علي رضي الله عنه وإمامته].

أهل السنة وسط في الصحابة بين الغلاة وبين الجفاة، والغلاة هم الشيعة والرافضة، والجفاة هم النواصب، وهم الخوارج، فأهل السنة وسط بينهما: وسط بين الغلاة الذين يغالون في علي كالرافضة، فيفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويقولون: علي أفضل من أبي بكر وعمر، ويقولون: إنه الإمام المعصوم.

ويقولون: إن الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كفروا وظلموا وفسقوا وارتدوا وأخفوا النصوص التي تدل على أن الخليفة بعده هو علي، فولوا أبا بكر الخلافة زوراً وظلماً وبهتاناً، ثم ولوا عمر الخلافة زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عثمان الخلافة زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم وصلت النوبة إلى الخليفة الأول وهو الإمام المعصوم علي.

ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على اثني عشر إماماً بعده؛ ولهذا يسمون الإثني عشرية؛ فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الخليفة بعده هو علي رضي الله عنه، ثم الخليفة الثاني الحسن بن علي ابنه، ثم الخليفة الثالث الحسين بن علي، ثم الخليفة الرابع علي بن الحسين زيد العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم محمد بن الحسن المهدي المنتظر الذي دخل سرداب سامراء في العراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج منه إلى الآن.

وقد مضى عليه إلى الآن قرابة ألف ومائتي سنة، وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه الحسن بن علي العسكري مات عقيماً ولم يولد له، فاختلقوا له ولداً وأدخلوه السرداب وهو ابن سنتين أو ثلاث أو خمس سنين.

وهم في كل سنة يأتون إلى باب السرداب ويأتون بدابة، ويشترون السلاح وينادون بأعلى صوتهم: يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمانه في القرن السابع الهجري: إنه يوجد منهم - أي: الرافضة - أقوام في مناطق بعيدة على المشهد في العراق، وفي أماكن في المدينة وغيرها يقفون أوقات الصلوات في أوقات عينوها لا يصلون، وإذا قيل لهم: لماذا لا تصلون؟ قالوا: نخشى أن يخرج المهدي ونحن في الصلاة فننشغل عنه.

وعلي رضي الله عنه هو الخليفة الراشد الرابع، والحسن بن علي تولى الخلافة ستة أشهر ثم تنازل لـ معاوية، وأما الحسين فقد غدر به أهل العراق فقتلوه.

وهؤلاء الشيعة يقولون: من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

وإمام هذا الزمان عندهم هو المهدي المنتظر الذي دخل السرداب، وهم اليوم لا يعرفون إمامهم، فيكونون قد حكموا على أنفسهم بالكفر.

فهؤلاء غلاة يغالون في علي فيفضلونه على أبي بكر وعمر، ويعتقدون أنه الإمام المعصوم، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا وكفروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وربما جعلوه نبياً، فبعضهم يجعل علياً هو النبي، وهؤلاء مخطئون؛ وهم طائفة من غلاة الشيعة قالوا: إن الله أرسل جبريل بالرسالة إلى علي، ولكنه خان فأوصلها إلى محمد، فخالف أمر الله وأعطى الرسالة لمحمد، وهذا كفر بإجماع المسلمين، ومن اعتقد هذا الاعتقاد فهو كافر، وكذلك من اعتقد أن الصحابة كفروا وظلموا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد؛ لأن الله زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، وهذا تكذيب لله، وتكذيب الله كفر، ومن قال: إن القرآن غير محفوظ فهو مكذب لله تعالى في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، وكذلك من يعبد أهل البيت ويتوسل بهم فهو كافر مشرك.

وبعضهم يقول: علي هو الإله، وإن الله حل في علي.

وهم النصيرية.

فالشيعة طوائف، فالنصيرية يقولون: إن الله حل في علي وإن علياً سيرجع، والمخطئة يقولون بخيانة جبريل، والغلاة منهم يعبدون آل البيت، ويكفرون الصحابة، ويقولون بتحريف القرآن وعدم حفظه.

وأهل السنة وسط بين الرافضة الشيعة وبين الجافية وهم النواصب الخوارج الذين نصبوا العداوة لآل البيت، وكفروا علياً، وقالوا: علي كافر، وعثمان كافر، وقالوا: دم علي حلال، ودم عثمان حلال؛ لأنهما كفرا، فـ عثمان كفر؛ لأنه خان، وعلي كفر؛ لأنه حكم الرجال في كتاب الله.

وكذلك من تولاهما يستحلون دمه، ويستحلون سب علي وعثمان رضي الله تعالى عنهما، أي: يرون أن سب علي وعثمان حلال، ويقدحون في خلافة علي وإمامته.

فأهل السنة لا يقولون بقول الرافضة الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم ويؤلهون علياً أو يجعلونه نبياً، ولا يقولون بقول النواصب الذين يكفرون علياً وعثمان ومن شايعهما ويستحلون سبهما، بل يترضون عن الصحابة كلهم ويترحمون عليهم ويعتقدون فضلهم وسابقتهم، وأنهم خير الناس بعد الأنبياء، وأنه لا أحد مثلهم، ويعتقدون أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها هو أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، ثم بقية العشرة المبشرون بالجنة، ثم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، فلا يسبون الصحابة ولا يكفرونهم، بل ينزلونهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعصب، ويعتقدون عدم العصمة لأحد منهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك في سائر الأبواب فأهل السنة هم وسط؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان].

أي: أن أهل السنة وسط في سائر الأبواب؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فمذهبهم هو الحق، وهم أهل الحق، والحق وسط بين ضلالين.

<<  <  ج: ص:  >  >>