للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثناء شيخ الإسلام على عدي بن مسافر وجماعته]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وأنتم -أصلحكم الله- قد من الله عليكم بالانتساب إلى الإسلام الذي هو دين الله، وعافاكم الله مما ابتلي به من خرج عن الإسلام من المشركين وأهل الكتاب، والإسلام أعظم النعم وأجلها؛ فإن الله لا يقبل من أحد ديناً سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].

وعافاكم الله بانتسابكم إلى السنة من أكثر البدع المضلة، مثل كثير من بدع الروافض والجهمية والخوارج والقدرية، بحيث جعل عندكم من البغض لمن يكذب بأسماء الله وصفاته وقضائه وقدره أو يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو من طريقة أهل السنة والجماعة، وهذا من أكبر نعم الله على من أنعم عليه بذلك؛ فإن هذا من تمام الإيمان وكمال الدين، ولهذا كثر فيكم من أهل الصلاح والدين وأهل القتال المجاهدين ما لا يوجد مثله في طوائف المبتدعين، وما زال في عساكر المسلمين المنصورة وجنود الله المؤيدة منكم من يؤيد الله به الدين، ويعز به المؤمنين].

المؤلف رحمه الله يخاطب أبا البركات عدي بن مسافر الأموي وأتباعه، ويبين لهم أنهم على خير وأن فيهم خيراً عظيماً، وأنهم بريئون من كثير من البدع، فالمؤلف رحمه الله يشجعهم ويحثهم على الالتزام بالسنة والاعتصام بها والبعد عن أهل البدع، ويثني عليهم بما فيهم من الخير والصلاح، فيقول: [وأنتم -يعني: عدي بن مسافر وأتباعه- أصلحكم الله قد من الله عليكم بالانتساب إلى الإسلام الذي هو دين الله].

يعني: أن عدي بن مسافر ومن معه من الله عليهم بالإسلام، والإسلام هو دين الله، وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

قال: [وعافاكم الله مما ابتلى به من خرج عن الإسلام من المشركين وأهل الكتاب].

أي: أن الله عافاكم من الكفر الذي عليه المشركون وأهل الكتاب: اليهود والنصارى.

يقول: [والإسلام أعظم النعم وأجلها؛ فإن الله لا يقبل من أحد ديناً سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥]].

وسبق أن دين الأنبياء هو الإسلام، والإسلام هو دين الله في الأرض وفي السماء، ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه، وهو توحيد الله، وإخلاص العبادة له، واتباع كل نبي في الشريعة التي جاء بها، فالإسلام في زمن آدم عليه السلام هو توحيد الله واتباع آدم في ما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن نوح هو توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها، والإسلام في زمن هود هو توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها، وهكذا في زمن إبراهيم وموسى وعيسى حتى ختمهم الله بنينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو توحيد الله والعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة الكاملة.

فهو يخاطب عدي بن مسافر وأصحابه ويذكرهم بنعمة الإسلام، فيقول: لقد من الله عليكم بالإسلام وسلمكم من الكفر، ومن الله عليكم بلزوم السنة، وعافاكم من كثير من البدع المضلة، مثل بدع الروافض والجهمية والخوارج والقدرية، كتكفير الروافض الصحابة، وعبادتهم آل البيت، وقولهم بأن القرآن غير محفوظ، وإنكار الجهمية الأسماء والصفات، وتكفير الخوارج المسلمين بالمعاصي.

ثم يخاطبهم بقوله: [وأنتم سلمكم الله من هذه الفتن بحيث جعل عندكم من البغض لمن يكذب بأسماء الله وصفاته وقضائه وقدره، أو بسب أصحاب رسول الله، وهذا من أكبر نعم الله على من أنعم عليه بذلك].

والمعنى: هذه نعمة عظيمة من الله بها عليكم حيث إنكم تبغضون من كذب بأسماء الله وصفاته، وقضائه وقدره، وتبغضون من سب الصحابة، وهذا من تمام الإيمان وكمال الدين.

يقول: [ولهذا كثر فيكم من أهل الصلاح والدين، وأهل القتال المجاهدين ما لا يوجد مثله في طوائف المبتدعين].

وطائفة عدي بن مسافر طائفة فيها خير كثير، وكأنه يؤخذ من كلام المؤلف اتصافهم بقليل من الخطأ، إلا أن حالهم مستقيمة، وهم على خير، ويكرهون أهل البدع، ويلتزمون بالسنة في كثير من أمورهم.

ثم يقول ابن تيمية لهم: [وما زال في عساكر المسلمين المنصورة وجنود الله المؤيدة منكم من يؤيد الله به الدين، ويعز به المؤمنين].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي أهل الزهادة والعبادة منكم من له الأحوال الزكية والطريقة المرضية وله المكاشفات والتصرفات].

فـ عدي بن مسافر وأصحابه فيهم زهد، لكنه زهد ليس كزهد الصوفية، بل زهد مع الإستقامة، وأحوالهم الزكية معناها: الطاهرة الزكية بلزوم الكتاب والسنة؛ أي: التي يرضاها الله ورسوله.

وقوله: [وله المكاشفات والتصرفات] أي: كشف الله له من العلم والبصيرة، ورزقه التصرفات الموافقة للشرع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفيكم من أولياء الله المتقين من له لسان صدق في العالمين، فإن قدماء المشايخ الذين كانوا فيكم مثل الملقب بشيخ الإسلام أبي الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري، وبعده الشيخ العارف القدوة عدي بن مسافر الأموي ومن سلك سبيلهما فيهم من الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة ما عظم الله به أقدارهم، ورفع به منارهم].

أي: أن الشيخ عدي بن مسافر وجماعة فيهم أولياء لله يتقون الله ويخشونه، فهم مؤمنون متقون يؤدون الواجبات ويبتعدون عن المحرمات، وفيهم من له لسان صدق في العالمين، أي: أثنى عليهم عباد الله؛ لصلاحهم وتقواهم، فقد كانوا يعظمون السنة؛ فلذلك عظم الله أقدارهم، ورفع منازلهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والشيخ عدي قدس الله روحه كان من أفاضل عباد الله الصالحين، وأكابر المشائخ المتبعين، وله من الأحوال الزكية، والمناقب العلية ما يعرفه أهل المعرفة بذلك، وله في الأمة صيت مشهور، ولسان صدق مذكور.

وعقيدته المحفوظة عنه لم يخرج فيها عن عقيدة من تقدمه من المشايخ الذين سلك سبيلهم كالشيخ الإمام الصالح أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي، وكشيخ الإسلام الهكاري ونحوهما].

هذا ثناء من المؤلف على عدي بن مسافر وأنه من أهل الصلاح والتقوى، وأن له أحوالاً زكية، ومناقب علية، وأن له ذكراً وصيتاً مشهوراً، فقد رفع الله قدره، وعقيدته السليمة لم يخرج فيها عن عقيدة أهل السنة والجماعة.

قال المصنف رحمه الله: [وهؤلاء المشايخ لم يخرجوا في الأصول الكبار عن أصول أهل السنة والجماعة، بل كان لهم من الترغيب في أصول أهل السنة، والدعاء إليها، والحرص على نشرها، ومنابذة من خالفها مع الدين والفضل والصلاح ما رفع الله به أقدارهم، وأعلى منارهم، وغالب ما يقولونه في أصولها الكبار جيد، مع أنه لابد وأن يوجد في كلامهم وكلام نظرائهم من المسائل المرجوحة والدلائل الضعيفة كأحاديث لا تثبت، ومقاييس لا تطرد، ما يعرفه أهل البصيرة].

هذا فيه بيان من المؤلف رحمه الله أن هؤلاء المشايخ مثل عدي بن مسافر وأبي الفرج بن عبد الواحد وشيخ الإسلام الهكاري وغيرهم في أصول الدين الكبار لم يخرجوا عن أصول السنة والجماعة.

وغالب ما يقولونه في الأصول الكبار جيد، أي: موافق لأصول أهل السنة والجماعة، لكن قد يوجد في كلامهم بعض المسائل المرجوحة، أي: قد يختارون بعض الأقوال المرجوحة، وقد يستدلون ببعض الأحاديث الضعيفة كأحاديث لا تثبت، ومقاييس لا تطرد، وهذه ملحوظات يسيرة يمكن معالجتها، لكن هم في الجملة من أهل السنة والجماعة، ويعظمون السنة، وأما كونه يختار بعضهم الأقوال الضعيفة أو الاستدلال ببعض الأحاديث التي لا تثبت، فهذا غلط إذا ردوه عليه ونبهوه فإنه يتقبل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>