للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان ضلال غلاة الصوفية]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهؤلاء الضلال الكفار الذين يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينيه، وربما زعم أنه جالسه وحادثه أو ضاجعه! وربما يعين أحدهم آدمياً إما شخصاً أو صبياً أو غير ذلك، ويزعم أنه كلمهم، يستتابون فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانوا كفاراً؛ إذ هم أكفر من اليهود والنصارى الذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، فإن المسيح رسول كريم وجيه عند الله في الدنيا والآخرة ومن المقربين، فإذا كان الذين قالوا: إنه هو الله وإنه اتحد به أو حل فيه قد كفرهم وعظم كفرهم بل الذين قالوا: إنه اتخذ ولداً حتى قال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:٨٨ - ٩٣] فكيف بمن يزعم في شخص من الأشخاص أنه هو؟ هذا أكفر من الغالية الذين يزعمون أن علياً رضي الله عنه أو غيره من أهل البيت هو الله.

وهؤلاء هم الزنادقة الذين حرقهم علي رضي الله عنه بالنار، وأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كندة، وقذفهم فيها بعد أن أجلهم ثلاثاً ليتوبوا، فلما لم يتوبوا أحرقهم بالنار، واتفقت الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم، لكن ابن عباس رضي الله عنهما كان مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة عند العلماء].

يبين المؤلف رحمه الله أن هؤلاء الاتحادية والملاحدة والصوفية ضلال كفار؛ لأن هؤلاء الضلال الكفار يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينيه، وربما زعم أنه جالسه وحادثه وراجعه، ويقول: إن الله ينزل عشية عرفة على جمل، وإنه يحاضر ويسامر ويصافح ويعانق!! وبعضهم يقول كاليهود: إنه يندم ويحزن ويبكي! تعالى الله عما يقولون، فبعض الصوفية يزعم أنه يرى ربه بعينيه، وبعضهم يزعم أن الله يكون في الخضرة! فكل شيء أخضر يكون الله فيه، وهذا معروف عن الصوفية أنهم يقدسون الشيء الأخضر، فتجد عندهم اللمبة التي على الجدران خضراء، والمسبحة خضراء، والسجادة خضراء، وهكذا يقدسون الأخضر مثل النباتات، وكل شيء أخضر يقولون: لعل ربنا موجود فيها.

كذلك بعضهم يزعم أنه يحضر في المولد، فعندما يقيم المولد يزعم أن الله يحضر المولد ويسمونها الحضرة، فيقول: إن الله حضر هنا! تعالى الله عما يقولون.

وربما يعين أحدهم آدمياً إما شخصاً أو صبياً ويقول: إن الله حل في هذا! والعياذ بالله! وبعضهم يزعم أن الله كلمه! وكل هؤلاء يقول عنهم المؤلف رحمه الله: يستتابون فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانوا كفاراً.

فمن زعم أنه يرى ربه بعينيه في الدنيا أو زعم أنه يجالس الله أو يحادثه أو يراجعه أو عين آدمياً أو صبياً فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً، وكفْر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى؛ لأن النصارى قالوا: إن الله حلَّ في عيسى فقط، وأما هؤلاء فقالوا: حل في كل شيء في أشخاص وآدميين كثيرين؛ ولأن هؤلاء ملاحدة زنادقة، واليهود والنصارى أهل كتاب، وكفر أهل الكتاب أخف من كفر الملاحدة والمشركين والوثنيين.

فيقول المؤلف: إن هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم، فإن المسيح رسول كريم وجيه عند الله في الدنيا والآخرة، كما أخبر الله عنه أنه وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين، فإذا كان الذين قالوا: إن الله حل في المسيح أو الذين قالوا: إن الله هو المسيح قد كفرهم الله وعظم كفرهم، فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧] وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣]، بل إن الله كفر الذين قالوا: إن الله اتخذ ولداً فقال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم:٨٨ - ٨٩] يعني: أمراً عظيماً، {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم:٩٠]؛ من عظم هذا القول وهو القول بأن لله ولداً.

فهو أمر عظيم تكاد السماوات تتفطر وتتشقق: {وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:٩٠ - ٩٣]، فكل من في السموات والأرض يأتي عبداً لله، فكيف يقال: إن لله ولداً؟! تعالى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>