للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التسمية على الوضوء]

[باب في التسمية على الوضوء.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)].

وهذا الحديث ضعيف؛ لأن يعقوب بن سلمة هذا فيه كلام، ولم يسمع من أبيه، وكذلك أبوه لم يسمع من أبي هريرة، وكذلك الأحاديث التي في التسمية في الوضوء كلها ضعيفة؛ ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن التسمية مستحبة.

وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى وجوب التسمية عند الوضوء، ورأى أن أحاديث التسمية وإن كانت ضعيفة إلا أنها يشد بعضها بعضاً، ويقوي بعضها بعضاً، فتكون من باب الحسن لغيره، وذهب إلى هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله أيضاً في كتاب الإرشاد، وفي كتاب التفسير، وكذلك الحافظ ابن حجر وابن الصلاح قالوا: إن الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وقالوا: وإن كان كل فرد منها ضعيفاً إلا أنه يقوي بعضها بعضاً؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن التسمية واجبة مع الذكر، وإذا نسي فلا حرج، لكن مع التذكر يجب عليه أن يسمي.

والجمهور على أن التسمية مستحبة؛ لأن الأحاديث فيها ضعيفة، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن يعقوب هذا فيه كلام، ولم يسمع من أبيه، وكذلك أبوه لم يسمع من أبي هريرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن الدراوردي قال: وذكر ربيعة: أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه): أنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءاً للصلاة ولا غسلاً للجنابة].

وتأويل ربيعة هذا ضعيف مخالف لظاهر الحديث، فقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فسره ربيعة بأن الذي لا ينوي الوضوء لا وضوء له، والذي لا ينوي الغسل لا غسل له، وهذا صحيح، لكن ليس هذا معنى الحديث، فتفسير التسمية بالنية من ربيعة هذا تفسير ضعيف مخالف لظاهر الحديث، فالحديث فيه التسمية؛ فإنه قال: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) أي: لا وضوء لمن لم يسم.

أما تأويله التسمية بأنها من النية، وأن المعنى: لا وضوء لمن لم ينو الوضوء، ولا غسل لمن لم ينو الغسل، فليس بظاهر، وكونه إذا اغتسل ونوى التبرد ولم ينو الوضوء لا غسل له، وإذا غسل أعضاءه ولو كان مرتين وهو لم ينو الوضوء لا وضوء له، نعم هذا صحيح، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، لكن تفسير التسمية بالنية في هذا الحديث ليس بظاهر.

وربيعة المذكور هنا هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، المشهور بربيعة الرأي.

قال في تخريجه: هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المعروف بـ ربيعة الرأي، وثقه العجلي وأبو حاتم والنسائي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت، أحد مفتي المدينة.

وقال مصعب بن الزبير: أدرك بعض الصحابة والأكابر من التابعين، وكان صاحب الفتوى في المدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس في المدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتماً، قال مطرف: سمعت مالكاً يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يا أهل العراق! تقولون: ربيعة الرأي! والله! ما رأيت أحداً أحفظ للسنة منه.

مات سنة مائة وست وثلاثين في المدينة أو في الأنبار.

وهو الشيخ الإمام ابن مالك رحمه الله، لكن تأويله هذا ليس بوجيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>