للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)].

وهذا فيه: بيان كيفية الوضوء، وأن الغسل يكون ثلاثاً، وإذا كان قام من نوم الليل يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، سواء كان من الإناء أو من الصنبور أو من غيره، سواء استيقظ من نوم الليل أو لم يستيقظ السنة أن يغسلهما ثلاثاً، وأكمل الوضوء غسل كل عضو ثلاثاً، أولاً: غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، ومسح برأسه وغسل رجله اليمنى ثلاثاً، وغسل رجله اليسرى ثلاثاً.

هذا أكمل الوضوء، وهو التثليث في كل عضو ما عدا الرأس.

ويجوز أن يغسلهما مرتين مرتين: الوجه مرتين، واليد مرتين، وأذنه مرتين، ورجله مرتين.

ويجوز أن يغسلهما مرة: الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة.

ويجوز أن يكون مخالفاً، فيغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، كل هذا جاءت به السنة.

وفيه: أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء فإن هذا من أسباب المغفرة، وفي اللفظ الآخر: (إذا توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله، ولا يحدث نفسه بشيء -من الوساوس- غفر الله له ما تقدم من ذنبه)، والمراد: الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أما إذا لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الصغائر والكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).

وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر)، وفي لفظ: (ما لم تغش كبيرة)، وفي لفظ: (ما لم تصب المقتلة).

هذه الركعتان سنة الوضوء، وسنة الوضوء تكون بعد كل وضوء، فإذا صلى مثلاً سنة الضحى دخلت سنة الوضوء فيه، وإذا دخل المسجد وصلى السنة الراتبة أو الظهر أو الفجر دخلت فيها سنة الوضوء.

وإذا صلى صارت سنة الوضوء، ولو ما نوى، فإذا توضأ وصلى وإن نواها سنة راتبة أو الضحى أو استفتاح صلاة الليل دخلت سنة الوضوء فيها.

كذلك الفريضة إذا جاء ودخل في الفريضة دخلت سنة الوضوء في الفريضة.

وهذه الركعتان يستحب صلاتهما حتى ولو كان وقت النهي؛ لأنها سبب، والجمهور يرون أنها لا تفعل صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، لكن الأرجح أنها تفعل ولو في وقت النهي.

وهذه السنة تعد من إقراره صلى الله عليه وسلم ومن قوله، فإنه أقر بلالاً حين قال: (ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهارٍ إلا وصليت به ركعتين).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) ولم يذكر أمر الصلاة].

وهذا الحديث ضعيف؛ في سنده عبد الرحمن بن وردان ضعيف، ولا حجة في زيادته: (ومسح الرأس ثلاثاً)، فإن الرأس لا يثلث، ورواية عبد الرحمن هذه ضعيفة مخالفة لرواية الثقات، والحديث السابق ليس فيه مسح الرأس ثلاثاً، وإنما فيه مرة، وكذلك أيضاً أسقط المضمضة والاستنشاق وهو ثابت في الأحاديث.

وعبد الرحمن بن وردان هذا ضعيف، ولا سيما إذا خالف الثقات، فلا يعمل بروايته في تثليث مسح الرأس؛ فإن الرأس لا يثلث؛ وإنما يمسح مرة واحدة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه سئل عن الوضوء؛ فدعا بماء، فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ)].

فهذا الحديث أكمل ما ورد في الوضوء، وذلك أن فيه التثليث في جميع الأعضاء ما عدا الرأس؛ لأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، وغسل رجليه ثلاثاً، هذا أكمل ما ورد في الوضوء.

وفيه: أن الرأس لم يثلث، وإنما يمسح مرة واحدة.

وفيه: أن مسح الأذنين تابع للرأس، ولا يحتاج أن يأخذ لهما ماءً جديداً، بل يأخذ ماءً للرأس، ولا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح به مسحاً، ثم يمسح أذنيه بالرطوبة الباقية من يديه، يمسح باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما مما يلي الرأس بالإبهامين.

وقوله: (فغسل بطونهما وظاهرهما) المراد: المبالغة في المسح، وليس المراد الغسل، وإنما المراد المسح، والغسل يطلق على المسح، والمسح يطلق على الغسل.

وفيه أن الرأس لم يثلث، خلافاً لمن استحب من العلماء تثليث المسح، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) لكن هذا مجمل بينته الأحاديث الصحيحة الأخرى.

وفيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل الوضوء إلى الكوعين، والكوع: هو العظم المقابل للإبهام، والكرسوع: هو العظم المقابل للخنصر، والرسغ: ما بين الكف والساعد، والساعد: من نهاية الكف إلى المرفق، والمرفق: هو العضد في آخر الساق.

فاليدان تغسلان من رءوس الأصابع حتى يتجاوز المرفقين ويشرع في العضد.

وغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً هذا مستحب وليس بواجب، إلا إذا استيقظ من نوم الليل؛ فإنه يتأكد، والجمهور على الاستحباب.

والقول الثاني: الوجوب، وهو قول قوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده).

والواجب تعميم كل عضو بالغسل مرة واحدة، والمراد بالغسل ما يعمم به الإنسان العضو، فإذا عمم أصل العضو مرة واحدة فهذا يعتبر غسلاً سواء كان بغرفة أو بغرفتين، فيعمم بغرفة وتعتبر مرة، ويجزئ هذا، فإذا تمضمض مرة واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وغسل يده اليمنى مرة، وغسل يده اليسرى مرة، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجله اليمنى مرة، وغسل رجله اليسرى مرة فإن هذا الوضوء يجزئ، وإن غسلهما مرتين مرتين فهذا أفضل، وإن غسلهما ثلاثاً ثلاثاً فهذا هو الأفضل والأكمل، وإن غسلهما مخالفاً: فغسل بعض أعضائه ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة فلا حرج، كل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في تخريجه: حديث صحيح تفرد به أبو داود.

كل الأحاديث في الوضوء ثابتة: حديث حمران عن عثمان، وحديث زيد بن عبد ربه وغيره، كلها صحيحة وثابتة في الصحيحين وفي غيرهما.

فمرة واحدة هذا هو الغسل الواجب، وهو يجزئ، والمرة الثانية مستحبة، والثالثة مستحبة، والأكمل ثلاثاً ثلاثاً، ولا يزيد على ثلاث.

وكون المسح مرة ثابت في الأحاديث الصحيحة، وستأتي الأحاديث التي تنص على أنه واحدة.

[قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: (ومسح رأسه) ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره].

وهذا كما قال أبو داود رحمه الله: الأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها: أن الرأس يثلث، وإنما فيها أن الرأس يمسح مرة، وهذا يدل على ضعف رواية عبد الرحمن بن وردان في الحديث السابق الذي فيه ذكر تثليث المسح، وعبد الرحمن بن وردان تكلموا فيه وقالوا: خالف الحفاظ، وفيه ضعف ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من تثليث المسح وغيره؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وهذا مجمل في كل الأعضاء ما عدا الرأس، أما الرأس فلا يثلث، كما في الأحاديث الصحيحة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة: (أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء، فتوضأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، وذكر الوضوء ثلاثاً، قال: ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأ

<<  <  ج: ص:  >  >>