للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: تخليل اللحية.

حدثنا أبو توبة -يعني: ربيعة بن نافع - حدثنا أبو المليح عن الوليد بن زوران عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل).

قال أبو داود: والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاح وأبو المليح الرقي].

هذا الباب عقده المصنف رحمه الله لبيان حكم تخليل اللحية، والمراد تخليل اللحية الكثيفة التي تستر البشرة، وأما اللحية الخفيفة التي لا تستر البشرة فيجب إيصال الماء إلى البشرة، وغسل الشعر الخفيف، أما اللحية الكثيفة التي تستر البشرة فهذا هو محل البحث فيها.

وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ كفاً من ماء فيخلل لحيته، لكن الحديث فيه الوليد بن زوران، وقد تكلم فيه ابن حزم وقال: إنه مجهول، وكذلك ابن القطان، وأما ابن القيم رحمه الله فيقول: الجهالة مرتفعة عنه؛ لأنه روى عنه من هو معروف، فتزول به الجهالة، وبكل حال فالأحاديث في تخليل اللحية في مجموعها تدل على سنية التخليل.

وقد اختلف العلماء في وجوب تخليل اللحية أو سنيتها، وهل يجب تخليلها في الغسل دون الوضوء أم لا؟ والأقرب: أنه سنة مستحبة في الوضوء، وأما في الغسل فإنه يجب إيصال الماء إلى البشرة، ولهذا جاء: (أَنْقِ البشرة)، وجاء في حديث وإن كان فيه ضعف: (تحت كل شعرة جنابة)، فيجب إيصال الماء في الجنابة إلى أصول شعر الرأس وشعر اللحية.

قال شمس الدين بن القيم: قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا؛ لأنه من طريق الوليد بن زوران وهو مجهول، وكذلك أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال، وفي هذا التعليل نظر، فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم.

يعني: روى عنه ثلاثة فارتفعت عنه الجهالة.

قال ابن القيم: (ولم يعلم فيه جرح، وقد روى محمد بن يحيى الذهلي في كتاب علل حديث الزهري فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله وكان صدوقاً، حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته، فخللها بأصابعه، ثم قال: هكذا أمرني ربي عز وجل)، وهذا إسناد صحيح.

وفي الباب حديث عثمان: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح).

المقصود أن أحاديث التخليل في مجموعها تدل على الاستحباب.

وقال الخطابي: وأوجب بعض العلماء تخليل اللحية وقال: إذا تركه عامداً أعاد الصلاة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور، وذهب عامة العلماء إلى أن الأمر به استحباب وليس بإيجاب، ويشبه أن يكون المأمور بتخليله من اللحى على سبيل الوجوب ما رق من الشعر منها فتراءى ما تحتها من البشرة.

يعني: الشعر الخفيف الذي لا يستر البشرة يجب إيصال الماء إلى البشرة، أما غيره فالصواب أنه مستحب وليس بواجب في الوضوء.

<<  <  ج: ص:  >  >>