للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث تناول رسول الله الجدي الأسك الميت]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: ترك الوضوء من مس الميتة.

حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟) وساق الحديث].

هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وتمامه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدي) والجدي: هو ولد المعز الصغير، إذ يقال له جدي ذكر إذا مضى عليه أربعة أشهر أو قريباً منها، وأما إذا كانت أنثى فتسمى سخلة أو عناقاً.

قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بجدي أسك) يعني: صغير الأذن، أو مقطوع الأذن، (ميت فأخذ بأذنه فقال للصحابة: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟ فقالوا: يا رسول الله! ما نحب أنه لنا بشيء، وماذا نصنع به؟! فقال: أتحبون أن يكون لكم هذا؟ قالوا: والله! لا نريده، إنه لو كان حياً لكان معيباً)، أي: لو كان حياً لكان به عيب وهو أنه صغير الأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم)، مما يدل على أن الدنيا لا تساوي عند الله شيئاً.

وفي حديث آخر: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)، فالدنيا لا تساوي شيئاً عند الله، ولهذا يأكل منها البر والفاجر، وفيها اختلاط وامتزاج الأبرار بالفجار، والأخيار بالأشرار، والمؤمنون بالكفار، بخلاف الآخرة ففيها يحصل التميز والانفصال، فيتميز المؤمنون من الكفار، والأشرار من الأخيار، وأما هذه الدنيا فهي دار اختبار، ودار امتزاج واختلاط الخبيث بالطيب، والمؤمن بالكافر؛ فلهذا ليس لها عند الله قيمة، وهي هينة على الله، فهي أهون على الله من هوان هذا التيس الميت مقطوع الأذن على الناس.

والحديث فيه دليل على أن مس النجاسة اليابسة لا يؤثر على الإنسان، ولا يوجب غسل اليد ولا الوضوء.

والنجاسة نوعان: غضة ويابسة، فإذا كانت يابسة فلا يؤثر مسها على اليد، ولا يوجب الوضوء ولا غسل اليد، أما إذا كانت رطبة فلابد من غسل اليد، ولا يوجب فيها الوضوء كما يظن بعض الناس؛ لأنك لم تفعل ناقضاً من نواقض الوضوء، ومثله ما لو مس إنسان بيده يد كلب يابس فليس عليه شيء، أما إن كانت يده رطبة أو الكلب رطب فعليه أن يغسل يده.

<<  <  ج: ص:  >  >>