للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث جابر في قصة رمي الذي كان يحرسهم في صلاتهد]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من الدم.

حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني في غزوة ذات الرقاع- فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها!)].

الحديث من رواية صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر، وعقيل بن جابر مجهول، ولم يرو عنه إلا صدقة بن يسار، ورواه محمد بن إسحاق في المغازي، ورواه أيضاً أحمد والدارقطني، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

وليس في هذا الحديث دلالة على الوضوء من الدم على فرض صحته، وإنما فيه الاستمرار في الصلاة، والإنسان إذا خرج منه دم أثناء صلاته وكان مستمراً فإنه يستمر في صلاته، ويكون حكمه حكم المستحاضة التي لا ينقطع عنها دمها؛ لأنه لو قطع الصلاة فلن يفيده ذلك؛ لأن الدماء مستمرة، وكذا الإنسان إذا كان به جرح سيال فإنه يستمر في صلاته، وكذا من فيه سلسل البول، ولأن الاستمرار في الصلاة غير ابتدائها، لأنه قبل أن يبتدئ الصلاة سيعالج هذه الدماء حتى ينقطع الدم عنه، ولهذا استمر عمر رضي الله عنه في صلاته لما طعن وجرحه يثعب دماً، وإن كان قد أناب عبد الرحمن بن عوف في الصلاة، إلا أن ظاهره أنه استمر في صلاته، ويمكن التعليل أيضاً بأن الجراحات التي تصيب الغزاة والمجاهدين في الأسفار والغزوات معفو عنها من أجل المشقة، إذ قد لا يتمكن من غسلها، وليس هناك دليل واضح على نجاسة الدم، لكن جاء في قصة المستحاضة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي)، فخصه بعضهم بالدم الخارج من الفرج، أما كون الوضوء من الدم واجباً فليس هناك دليل واضح على ذلك، وينبغي التفريق بين كون الدم نجساً أو غير نجس، وبين هل هو ناقض أم لا؟ فالدم المسفوح الذي يخرج من الذبيحة نجس لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:١٤٥]، وكذلك الدم الذي يخرج من الفرج كدم الاستحاضة، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، أما خروج الدم هل هو من نواقض الوضوء؟ فبعض العلماء كالحافظ ابن حجر وغيره يرى أن خروج الشيء الفاحش النجس كالدماء وغيرها من النواقض، وليس هناك دليل واضح يدل على الوجوب، لكن إن توضأ الشخص فهو مستحب؛ إذ فيه الخروج من خلاف من أوجب، لاسيما إذا كان الدم كثيراً.

وفيه: دليل على مشروعية فعل الأسباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يكلؤنا)، وهو رسول الله، وهو سيد المتوكلين، ومع ذلك قال: (من يكلؤنا) أي: من يحفظنا؟ أو من يحرسنا؟ فانتدب المهاجري والأنصاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>