للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يقرأ القرآن.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا، ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي وجهاً وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن؛ فأنكروا عليه ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرؤنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه أو قال: يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة)].

هذا الحديث في هذه الترجمة لبيان حكم قراءة الجنب للقرآن، وفيه قصة عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي أنا ورجلان رجل منا من بني مراد، ورجل من بني أسد، فبعثهما علي وجهاً -أي: في جهة ولاية- وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما.

قال: ثم قام فدخل المخرج، -وهو بيت الخلاء- ثم خرج فدعا بماء فتمسح منه ولم يتوضأ، ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن، ويأكل اللحم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة، أو لا يحجُبُه أو يحجِبه -من باب نصر ينصر، أو من باب ضرب يضرب- أو قال: لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة) يعني: إلا الجنابة.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وهو حديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن سلمة المرادي، وأنكر من حديثه، ولا يتابع عليه، ولكن ورد في الباب أحاديث يقوي بعضها بعضاً فتصلح للاحتجاج، ولهذا ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن ولو كان عن ظهر قلب، وهذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- لكن له شواهد يتقوى بها، وجاء في الحديث الآخر: (فأما الجنب فلا ولا آية)، ومراده عن ظهر قلب.

وأما إذا كان حدثه أصغر، فإنه يجوز له أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب لكن لا يمس المصحف حتى يتوضأ، ومن كان يدرس طلاباً مميزين، فعليه أن يأمرهم بالوضوء قبل أن يمسوا القرآن الكريم.

واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل يقرأان القرآن؟ على قولين: فذهب الجمهور إلى أنهما لا يقرأان، وقالوا: إن حدثهما أغلظ من الجنب، واستدلوا بحديث ضعيف في ذلك، وذهب إلى هذا كثير من الفقهاء كالحنابلة وغيرهم.

والقول الثاني: أنهما يقرأان، ولا يقاسان على الجنب كما قال الجمهور؛ لأنه قياس مع الفارق، فالجنابة مدتها قصيرة، والحيض والنفاس مدتهما طويلة، فقد تنسى الحائض والنفساء القرآن إذا كانتا حافظتين له، فتضطران إلى قراءته، وليس هناك دليل يمنعهما من قراءة القرآن، والقياس هنا قياس مع الفارق.

والصواب أن الحائض والنفساء لا بأس أن يقرأان القرآن عن ظهر قلب؛ لأنه ليس هناك دليل يمنعهما، وقياسهما على الجنب قياس مع الفارق.

وهل يقرأ الجنب إذا خشي أن يضيع القرآن عليه؟ فيه خلاف أيضاً، والأحاديث فيها ضعف، لكن يقوي بعضها بعضاً، وهناك رسالة للشيخ سليمان العلوان في الجنب لم أتمكن من قراءتها، وقد ذهب فيها إلى أن الجنب يقرأ القرآن، والمعروف عند جمهور العلماء أن الجنب لا يقرأ القرآن، والأحاديث -وإن كان فيها ضعف- يشد بعضها بعضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>