للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حضين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر، أو قال: على طهارة)].

محمد بن المثنى قال فيه ابن حجر: ثقة ثبت.

وعبد الأعلى: ثقة.

وسعيد، هو سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري، ثقة حافظ، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة.

والحسن ثقة فقيه قاض مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس.

وحضين بن المنذر أبي ساسان ثقة.

ولا شك أن ذكر الله على طهارة أفضل، فإذا لم يكن الإنسان على طهارة يؤخر رد السلام حتى يتوضأ، هذا إذا لم يخش ذهاب الوقت، أما إذا خشي فالأولى في مثل هذه الحالة أن يرد عليه في الحال؛ لأن ذكر الله على غير طهارة لا بأس به، كما في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه)، وقد يتأثر المسلِّم ويقع في نفسه شيء إذا أخر رد السلام عليه حتى يتوضأ؛ لأنه قد يتأخر وقتاً طويلاً، والحديث فيه الحسن يدلس ويرسل، وفيه سعيد بن أبي عروبة كثير التدليس، فلو صح فهو محمول على ما إذا لم يتأثر المسلِّم ولم يقع في نفسه شيء، أو أخبره وقال: إني سأتوضأ، وإلا فالأولى في مثل هذه الحالة أن يرد عليه السلام في الحال.

ونقل الخطابي أن الرجل إذا خاف خروج الوقت يتيمم من غير مرض ولا حرج، قال: وإلى هذا ذهب الأوزاعي وقال: يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت.

وهذا ليس بصحيح، فقول الأوزاعي هذا ليس بشيء، والصواب: أنه لا يجوز له أن يتيمم مع وجود الماء، فهذا كلام مصادم لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣]، فإن وجد ماءً فلا يتيمم ولو خاف طلوع الشمس، ولو كان نائماً نوماً يعذر فيه فوقت الصلاة من حين يستيقظ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فإذا استيقظ قرب طلوع الشمس فوقتها حين يستيقظ، وهو معذور إذا كان نوماً يعذر فيه، أو يسخن الماء إذا كان في الشتاء ويغتسل ولو طلعت الشمس ثم يصلي، أما أن يصلي بالتيمم فهذا باطل ولا يجوز إلا عند عدم الماء أو العجز عن استعماله.

أما رد السلام فالتطهر له من باب الاستحباب، فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه رجل وهو في مكان يقال له: بئر جمل وكان قريباً من البلد حك الجدار وتيمم، ثم رد عليه السلام وقال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة) فيحتمل هنا أن الماء كان بعيداً عنه أو أنه تيمم؛ لأن هذا من باب الاستحباب وليس لأداء فريضة، أما الفريضة فلا بد لها من الوضوء إذا كان يجد الماء ويستطيع استعماله.

وأما حديث ابن عمر: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه) فتمامه: (أن رجلاً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى فرغ من حاجته، ثم رمى يده على الجدار ثم تيمم، فرد عليه)، ومعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لذكر الله، وذكر الله على طهارة أفضل، ولا سيما إذا كان دعاءً، وقد كان مالك لا يقرأ عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتوضأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>