للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في نقض المرأة شعرها عند الغسل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل: حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة رضي الله عنها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين وقال زهير: إنها قالت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: (إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً، - وقال زهير: تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت -)].

وهذا الحديث أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجة، وهو دليل على أن المرأة لا تنقض شعرها في غسل الجنابة، ولهذا قالت: إني امرأة أحب ضفر رأسي، والضفر فوق الظهر، وهي العمائم، تسمى العمائم وتسمى القرون، وتسمى (الجزائل) عند بعض العامة، أفأنقضه للجنابة، قال: لا، إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً، في الرواية الأخرى: وقال زهير: تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، فإذا صبت الماء على رأسها وروت أصول الشعر كفى، من دون حاجة إلى النقض، ثم تفيض على سائر الجسد.

وفي وراية: أفأنقضه للجنابة والحيضة، قال: لا، فدل على أنه لا يجب النقض، لا لغسل الجنابة ولا للحيض، لكن نقضه لغسل الحيض أفضل؛ لأن الحيض مدته تطول وكذلك النفاس، وقد تتجمع فيه أوساخ، بخلاف الجنابة، فإنها تتكرر في اليوم، فيكون في النقض مشقة، والمشقة تجلب التيسير، كلما حصلت مشقة كانت سبباً للتخفيف.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من أوجب نقض الشعر للجنابة وللحيض، ومنهم من لم يوجبها، لا للجنابة ولا للحيض، ومنهم من أوجب النقض في الحيض دون الجنابة، ومنهم ابن القيم رحمه الله، فقد اختار أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في الحيض، دون الجنابة فقال: إن حديث أم سلمة يدل على أنه ليس على المرأة أن تنقض شعر لغسل الجنابة، وهذا اتفاق من أهل العلم، ثم تكلم في غسل الحيض، فقال: إن المنصوص عن أحمد أنها تنقضه، فنقل كلاماً وخلص إلى أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في غسل الحيض دون الجنابة، والصواب أنه لا يجب النقض لا في الحيض ولا في الجنابة، ولكن الأفضل أن تنقض شعرها لغسل الحيض والنفاس، لأن مدتها تطول وقد تتجمع الأوساخ، بخلاف الجنابة.

وقد ذكرنا أن في بعض الروايات الحديث زيادة (والحيضة) ومعلوم أن الزيادة إذا كانت مخالفة وانفرد بها بعض الرواة دون الآخرين يرى بعض العلم التشابه في هذه الحالة.

ابن القيم رحمه الله يقول: حديث أم سلمة على الصحيح فيه الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض، وليس لفظ الحيضة فيه محفوظ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن نافع - يعني الصائغ - عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث، قالت فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة)].

اغمزي أي: أبصري والقرون الضفائر وسماها بعضهم العمائم، وسماها بعضهم الجدائل، فإذا غمزتها وروتها بماء كفى من دون نقض.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا تعني بكفيها جميعاً، فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر].

وهذا الحديث روى البخاري قريباً منه، وفيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقضن ضفائر رؤوسهن عند الاغتسال من الجنابة، وإنما تأخذ الواحدة منهن ثلاث حفنات فتصبها على رأسها، فدل على أن النقض ليس بواجب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات].

الحديث ظاهره أن إسناده لا بأس به فلعله حسن.

نصر بن علي ثبت، وعبد الله بن داود وابن عامر ثقة عابد، وعمر بن سويد بن غيلان ثقة وعائشة بنت طلحة ثقة.

ورد في الحديث الضماد، والضماد ما يوضع على الشعر مما يلبده من طيب، أو صمغ أو خطم، والحديث دال على أنه لا يجوز إزالة الضماد، وأن المرأة إذا كان على رأسها ضماد فإنها تصب الماء على رأسها فدل على جواز الاغتسال وعلى رأسها ضماد من طيب وخطمي، وأنه لا يجوز نقض الضفائر، بل يكتفى بصب الماء على الرأس وإيصاله إلى أصول الشعر محلات ومحرمات، سواء كانت المرأة محلة أو محرمة.

ومن جنس الضماد أيضاً الحناء.

كما أن الضماد قد يكون من قماش، وقد يكون من غيره، لكن ليس المراد القماش هنا، وإنما المراد الخطم والحناء مثلاً وما أشبه ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف: وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه، حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها).

وهذا الحديث في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه إسماعيل بن عياش وفيهما مقال، لكن محمد بن إسماعيل بن عياش في راويته عن الشاميين وهم أهل بلده تكون روايته جيدة، أما روايته عن الحجازيين فهي ضعيفه، فإذا روى عن أهل بلده فالرواية جيدة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله، هذا إسناد شامل، وحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح، وعلى كل حال فالحديث فيه كلام.

وهناك ملحوظة إسنادية في الحديث ففي قوله: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش، تكون طريقة التحمل وجادة كذا روى ابن عوف، ثم قال: قال ابن عوف: وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه، كأنه قرأ في أصل إسماعيل وسمعه من محمد بن إسماعيل، ومحمد بن إسماعيل فيه كلام.

وفي الحديث أن الرجل ينشر رأسه فيغسله حتى يبلغ أصول الشعر، ومعناه أنه يصب الماء على رأسه وهو التفريغ، ثم يغسل شعر رأسه حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فأنها لا تنقضه بل تصبه على رأسها ثلاث غرفات بكفيها، وهذا موافق للأحاديث الأخرى.

كما أن قوله عن محمد بن إسماعيل عن أبيه، قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يحدث فحدث، وفي إسناده أيضاً ضمضم بن زرعة وهو صدوق يهم وقد ضعفه أبو حاتم.

وشريح بن عبيد، ثقة وكان يرسل كثيراً وقد وثقه النسائي وغيره.

وبناءً على هذا فيكون الحديث منقطعاً لأنه لم يسمع من أبيه، لكن ما دل عليه من أنه لا يجب نقض الشعر موافق للأحاديث الصحيحة السابقة فالمرأة، لا تنقض شعرها، والرجل كذلك إذا كان له شعر، وإنما يصب الماء عليه.

قوله: فلينشر رأسه، أي: يفرغ ما يحتاج تفريغ، حتى يبلغ الماء أصول الشعر، ولا يجب عليه أن يحلق رأسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>