للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفة اليهود مقصودة شرعاً

اعلم أن مخالفة اليهود مقصودة للشارع، ومن ذلك أن اليهود كانوا من تشددهم يعتزلون المرأة إذا حاضت، يهجرونها فيجعلونها في غرفة مستقلة لا تؤآكل ولا تشارب، ولا تمس ولا تطبخ ولا تغسل، والحائض ومعلوم أن بدنها طاهر وعرقها طاهر ولعابها طاهر وثيابها طاهرة، إنما النجاسة في الدم، فلا حرج أن يؤكل معها، ويشرب معها، وتصنع الطعام، وتغسل الثياب، فكل شيء من يدها لا بأس به إلا أن زوجها لا يجامعها؛ لأن الجماع منهي عنه، خلافاً للمباشرة إذ لا بأس بها، وقد سبق في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شربت عائشة من إناء وضع فمه في المكان الذي وضعت فمها فيه، وأنها تتعرق العظم وهو عرموش اللحم، فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه مكان فمها.

وفي هذا مخالفة لليهود قبحهم الله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، جاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ -يعني أفلا نجامعهن- فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تغير وجهه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢]- قال: حتى ظننا أن قد وجد عليهما، -أي: فظنوا أنه غضب عليهما، فوجد بمعنى غضب- فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما، -وكأنه لما قاما من عنده جاءت هدية من لبن في وقت قيامهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليهما فجاءا فسقاهما من اللبن فعلم الصحابة أنه لم يغضب عليهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>