للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح الأحاديث الواردة في استحاضة أم حبيبة بنت جحش]

قال المؤلف رحمه الله: [باب: من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة.

حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي.

قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء)].

وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي).

قالت عائشة: فكانت تغتسل في حجرة أختها زينب وكانت بنات جحش كلهن مستحاضات - أم حبيبة وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة وكانت تحت طلحة بن عبيد الله، وزينب أم المؤمنين- فكانت تجلس في مركن.

والمركن: يشبه الإناء الذي يغسل فيها الثياب، ويشبه الطست.

والحكمة من كونها تجلس فيه: أنها إذا علت حمرة الدم الماء عرفت أنه دم استحاضة، فتخرج منه وتغتسل.

وليس معناه: أنها تغتسل في هذا المكان الذي فيه الماء.

وأما إذا لم تعلو حمرة الدم الماء فتعرف أنه دم حيض ولم يذكر هنا أنها تغتسل لكل صلاة، وسيأتي في الحديث الذي بعده.

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة رضي الله عنها بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة].

وهذا هو الشاهد للترجمة بقوله: باب: ما روي أنها تغتسل لكل صلاة.

ففي الحديث: أنها كانت تغتسل لكل صلاة.

ولكن هذا اجتهاد منها.

ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الواجب عليها أن تغتسل مرة واحدة عند انقطاع دم الحيض، فإذا انقطع دم الحيض اغتسلت.

أو إذا كان لها تمييز أو انتهت العادة فإنها تغتسل مرة واحدة.

هذا هو الواجب عليها.

وأما اغتسالها لكل صلاة فقد فعلته هي تطوعاً، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أمرها به هو أنها تغتسل عند انقطاع دم الحيض.

وأما كونها تغتسل لكل صلاة فهذا اجتهاد منها، وليس بواجب.

وعنبسة هذا الأقرب أنه عنبسة بن خالد.

وما جاء في بعض الروايات من الأمر بالغسل لكل صلاة فهو محمول على الاستحباب كما سيأتي.

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث.

قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة].

وهذا الإسناد لا بأس به.

وفيه: أنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة.

ففيه دليل على: أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وهذا من باب الاستحباب.

فإن أحبت هي من نفسها فعلته، وإلا فليس بواجب عليها أن تغتسل لكل صلاة؛ لأن فيه مشقة عليها.

قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: رواه القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها] يعني: جعل يزيد عروة مكان مكان عمرة، والقاسم بن مبرور جعل عمرة مكان عروة، فقال: عن عمرة عن عائشة، فقد اختلفا في عروة وعمرة وكلاهما ثقة، وعنبسة جعله عن الزهري.

والقاسم جعله من مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة، فهذا هو وجه كون المؤلف ذكر الاختلاف في هذا وبينه.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وربما قال معمر: عن عمرة عن أم حبيبة رضي الله عنها، بمعناه].

يعني: أن معمراً ربما حذف عائشة رضي الله عنها.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها].

يعني: جعله من مسند الزهري عن عمرة عن عائشة.

وروايته الأولى عن عروة عن عائشة.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة].

أي: قال سفيان بن عيينة في حديثه: ولم يقل -أي: الزهري - إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل.

وعنبسة بن خالد هو أبو عثمان مولى بني أمية عن عمه يونس وابن جريج، وعنه: ابن وهب وأحمد بن صالح.

وقال: صدوق.

قال أبو داود: هو أحب إلينا من الليث.

وقال أبو حاتم: كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء بثديهن.

قال ابن القطان: كفى هذا في تجريحه.

قال النسوي سمعت يحيى بن بكير يقول: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن موضعاً للكتابة عنه.

كذا في الميزان والتهذيب.

قال ابن يونس: توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، قاله البخاري.

وعلى كل حال يحتاج هذا الكلام إلى توثيق.

يعني: هذا اختلاف في توثيقه، ويحتاج إلى مراجعة خلاف النقاد.

قال المؤلف رحمه الله: [وذكر أبو داود رحمه الله قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة أنها قالت: (إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، عن الدم؟ فقالت عائشة: فرأيت مركنها ملآن دماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي).

قال أبو داود: ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها.

رواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة].

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنى أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة: (أن أم حبيبة رضي الله عنها استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة).

وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً.

قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة].

وهذا هو الصواب، أنها هي التي كانت تغتسل، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة: (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها بالغسل لكل صلاة).

وساق الحديث].

وهذا ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث.

وفيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة.

وهذا ضعيف.

والصواب: ما سبق من أنها هي التي كانت تغتسل.

وأما هذا الحديث الذي فيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة فمن رواية محمد بن إسحاق، وهو ثقة، ولكنه مدلس.

فلهذا لا حجة في ما دل عليه: من أن النبي هو الذي أمرها بالغسل.

وإنما هي التي كانت تغتسل كما دلت عليه الروايات السابقة الكثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>