للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في مناقشة عمر بن الخطاب لعمار بن ياسر في التيمم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى قال: (كنت عند عمر رضي الله عنه، فجاءه رجل فقال: إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين، فقال عمر رضي الله عنه: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء.

قال: فقال عمار رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة، فأما أنا فتمعكت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع.

قال عمر رضي الله عنه: يا عمار! اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت والله لم أذكره أبداً، فقال عمر رضي الله عنه: كلا والله لنولينك من ذلك ما توليت)].

وهذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة مختصراً ومطولاً، لكن بدون إلى نصف الذراع، وإنما فيه مسح وجهه وكفيه، وهذه القصة التي حصلت مع عمار وعمر كالقصة التي حصلت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، وأشكل الأمر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالة قدره وفضله وطول باعه في العلم والفضل ولكن الكمال لله عز وجل.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه الأرض ثم نفخهما)، أي: نفخهما لتخفيف الغبار؛ لأنه ليس المقصود التلطيخ بالغبار، إنما المقصود الامتثال، ولا بد أن يمسح بيديه وجهه وكفيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم مسح بهما وجهه ويديه).

وقوله: (إلى نصف الذراع) هذه الزيادة ليست في الصحيحين، ولكن عمر نسي وذكره عمار ولم يتذكر واستمر على نسيانه؛ ولهذا قال له: يا عمار اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لا أذكره أبداً.

وفي الصحيح: (إن شئت تركته ولا أحدث به الناس) وفيه دلالة على طاعة ولي الأمر؛ لأن عمر هو ولي الأمر وهو أمير المؤمنين، وفيه دليل على طاعة ولي الأمر في غير معصية الله وليس في هذا كتمان العلم؛ لأن هذه السنة ثابتة وقد حدث بها عمار وحدث بها غيره.

فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لم أذكره، أي: أتركه ولم أحدث به؛ لأن طاعتك واجبه، وأصل تبليغ هذه السنة قد حصل، ولكن عمر لم يوافقه على الكتمان، فقال عمر: كلا والله، وفي رواية قال: نوليك من ذلك ما توليت، أي: نرد إليك وننسب إليك ما رضيت به لنفسك ما دام وأنت متثبت من هذا الشيء، فهذا موكول إليك، وأنت مسئول عنه.

وعمر نسي واستمر في نسيانه بينما عمار حفظ ولم ينس، ففيه دليل على أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وأن من تذكر مقدم على من نسي، ومن جهل شيئاً من العلم، فإنه يقدم عليه من بلغه هذا العلم.

وفيه دليل على أن التيمم من الجنابة ضربة واحدة للوجه والكفين، وأن التيمم للحدث الأكبر وللحدث الأصغر واحد وهو ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه، لقوله: (ثم مسح بهما وجهه ويديه)، والواو قد تكون للترتيب، لكن الوجه مقدم، وجاء في بعض الروايات أنه مسح وجهه ثم يديه، والله تعالى يقول: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:٤٣]، وقدم الوجه على اليدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>