للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث عمرو بن العاص: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ حدثنا ابن المثنى أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن أغتسل فأهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:٢٩]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً).

قال أبو داود: عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نفير].

وحديث عمرو بن العاص هذا لا بأس بسنده.

وفيه دليل على أن الجنب يتيمم ويصلي إذا خاف من البرد وخاف الهلاك أو خاف المرض؛ لأنه معذور في هذه الحالة، فإذا لم يكن عنده شيء يسخن به الماء ويتقي به البرد وخاف خروج الوقت فإنه يتيمم ويصلي وصلاته صحيحة.

وهذا هو الذي ذهب إليه أكثر الصحابة.

وخالف في ذلك عمر رضي الله عنه وابن مسعود وقال: يبقى الجنب حتى يجد الماء ولا يتيمم.

فهنا إذا وجد الماء لكنه لا يستطيع استعماله من شدة البرد، فيكون حكمه حكم فاقد الماء في هذه الحالة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقره على جواز التيمم من جهتين: من جهة التبسم والضحك.

والثاني: عدم الإنكار، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل؛ ولهذا قال الخطابي رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه: أنه صلى الله عليه وسلم جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء، يعني: جعل كونه لا يستطيع استعمال الماء لشدة البرد؛ لأنه يخشى الموت أو يخشى المرض، كأنه فاقد للماء، وجعله في منزلة من يخاف العطش ومعه الماء، فأبقاه ليشربه ويتيمم.

لكن كما قال بعضهم: من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجهه أو على درجة يأمن منها الضرر، كأن يغسل عضواً ويستره، وكلما غسل عضواً ستره ودفاه، فإنه في هذه الحالة عليه أن يستعمل الماء، كما قال بعض الشراح: إنه إذا أمكن أن يستعمل الماء كأن يغسل عضواً ثم يدفئه ثم يغسل عضواً ثم يدفئه، أو يجد ما يسخنه به ويتقي، فهذا يجب عليه الغسل، أما إذا ضاقت به الحيل ولم يجد شيئاً وخاف خروج الوقت فإنه يصلي وصلاته صحيحة، وهذا هو الذي عليه الجمهور، وخالف في هذا بعض العلماء وقالوا: إنه لا يتيمم في هذه الحالة، روي عن الحسن وعطاء قالا: يغتسل وإن مات، ولم يجعلوا له عذراً، وهذا قول لا وجه له؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:٢٩]، ولهذا استدل بهذه الآية عمرو بن العاص فقال: ذكرت قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:٢٩].

قال أبو داود: عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة، وليس هو ابن جبير بن نفير.

<<  <  ج: ص:  >  >>