للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البصاق يصيب الثوب]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب.

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية: (أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن دم الحيض يصيب الثوب فقالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا، وقد ألقينا فوقه كساء، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها، فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام، فقال: اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتُها، ثم أجففتها، فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه)].

وهذه الترجمة يقول المؤلف رحمه الله: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب.

فإذا قيل: هل تعاد الصلاة؟ ف

الجواب

إذا كانت النجاسة في الثوب، فظاهر ترجمة المؤلف أنه إذا صلى في ثوب فيه نجاسة فإنه يعيد الصلاة، لكن الحديث الذي ذكره هنا ضعيف، أولاً: فيه مجهولان: أم يونس بنت شداد مجهولة، وأم جحدر العامرية مجهولة.

ثم أيضاً ليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة من النجاسة، فيه أن أم جحدر العامرية سألت عائشة عن دم الحيض يصيب الثوب، فقالت: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا) الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد (وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة -أي: الصبح- ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله على ما يليها -ما يلي اللمعة يعني: البقعة- فبعث بها إلي مصرورة -تقول عائشة - في يد الغلام فقال: اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها- يعني: أيبستها- فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه) فهل في هذا الحديث أنه أعاد الصلاة؟ لا ليس فيه أنه أعاد الصلاة، فترجمة أبي داود قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، فيه أن النبي صلى الغداة ووجد بقعة من دم على كسائه وغسلها، وليس فيه أنه أعادها؛ ولهذا قال المنذري: والحديث ليس فيه أن النبي أعاد الصلاة التي صلى في ذلك الثوب، فكيف يكون استدلال المؤلف من الحديث؟ وإذا صلى الإنسان في ثوب فيه نجاسة أو في بدنه أو البقعة التي يصلي فيها ثم لم يعلم إلا بعد الصلاة، فالصواب: أنه لا يعيد، وصلاته صحيحة، ومن الأدلة على هذا: حديث أبي سعيد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بنعاله وخلعها في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بها أذى ولم يعد ما مضى من الصلاة، فدل على أنه لا يعيد الصلاة إذا لم يعلم إلا بعد فراغه.

وقال بعض أهل العلم: يعيد الصلاة، كما قال أبو داود هنا، والصواب: أنه لا يعيد، أما إذا علم في أثناء الصلاة، فإن كان يستطيع أن يلقي ما فيه نجاسة فعل واستمر في صلاته، كأن تكون النجاسة في منديل أو عمامة أو كوفية فإنه يلقيها ويستمر في صلاته، وإن لم يستطع فإنه يقطع صلاته، ويزيل النجاسة ثم يستأنف الصلاة، كما لو كانت في ثوبه فتنكشف عورته، أو كانت على بدنه وهذا بخلاف الحدث، فإن النجاسة في الثوب تختلف عن الحدث، فإنه إذا صلى وهو محدث ثم علم بعد الصلاة فإنه يعيد الصلاة مطلقاً؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو من باب الإيجاد فلا بد من إيجاده، بخلاف النجاسة فإنها من باب الترك أما الوضوء فلا بد منه، لكن إن كان إماماً، فإنه يعيد وحده، وقد حصل لـ عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس، ثم رأى أثر الاحتلام في الضحى فأعاد وحده الصلاة أما إذا كان الحدث في أثناء الصلاة فإنه يستأنف الصلاة مطلقاً، لكن إن كان إماماً فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وقيل: إن نائبه يستأنف بهم الصلاة ويبتدئ الصلاة من جديد، والأول أصح، وقول من فرق بين سبق الحدث في الإمام وعدم سبقه، فيستأنف بهم الصلاة إذا سبقه ويتم بهم إذا لم يسبقه كما هو مذهب الحنابلة فهو قول ضعيف، وقد سبق لنا في أبي داود أن الصواب أنه يستنيب من يتم بهم الصلاة ولو سبقه الحدث، أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين ما إذا سبقه الحدث فإن النائب يستأنف بهم الصلاة، أما إذا لم يسبقه الحدث فإنه يتم بهم الصلاة، ولهذا يقول الحنابلة: وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا استخلاف، يعني: فلا يستخلف، وعن الإمام أحمد لا تبطل وهو الصواب والأئمة الثلاثة على أنها لا تبطل، فإن عمر استخلف بعد أن سبقه الحدث، وأما هذا الحديث فهو ضعيف، كذلك ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة، وقد يقال: إن أبا داود لم يجزم بالحكم، وإنما قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، يعني: هل تعاد أو لا تعاد؟ لكن ظاهره: أنه يعيد، والصواب: أنه لا يعيد كما سبق، وإن قال به بعض العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>