للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث أنس في نبع الماء من بين أصابع النبي في الإناء، والوضوء منه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الإناء.

أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضئوا، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم)].

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وفيه بيان معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل من دلائل النبوة؛ حيث نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا حصل له مرات عليه الصلاة والسلام في الحديبية وفي أسفاره، حيث ينبع من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، وهذا من دلائل النبوة، فهو دليل على أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] فهو دليل على قدرة الله العظيمة، وهو دليل من دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تحصل لأحد من المخلوقات، بخلاف خوارق العادات التي تحصل على أيدي السحرة، وكذلك الكرامات التي تحصل على أيدي الأولياء، فإن جنسها مقدور لبعض المخلوقات، فالساحر يطير في الهواء، والطير يطير في الهواء، وهو يغوص في البحر والحيتان تغوص في البحر، لكن نبع الماء من بين الأصابع لا يقدر عليه أحد، وكذلك تكثير الماء، وتكثير الطعام، والعروج إلى السماء، فكل هذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يشركه فيها أحد من البشر عليه الصلاة والسلام.

وكذلك عصا موسى التي تنقلب إلى حية، فلا يقدر عليها البشر، ولهذا لما رآها سحرة فرعون وفيهم مهرة قد خبروا السحر وعرفوه مدة طويلة عرفوا أن هذا ليس بسحر، فآمنوا وخروا لله سجداً، كما قال تعالى: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:٧٠]، فعرفوا أن هذا ليس من جنس سحرهم، ولا يقدر عليه أحد، فمعجزات الأنبياء لا يقدر عليها أحد من المخلوقات لا من البشر ولا من الحيوانات ولا الطيور.

وأما خوارق السحرة وإن كان بعض البشر لا يقدر عليها فإنه يقدر عليها بعض الحيوانات، كالطيور والحيتان في البحر.

والحديث دليل على كون الإنسان يتوضأ من الإناء، سواء أكان الإناء من خشب، أم من حجر، أم من زجاج، أم من غير ذلك، وله أن يتوضأ من ماء غدير من الغدران، ومن الصنبور، ومن الحوض، ومن النهر، كل ذلك لا بأس به.

<<  <  ج: ص:  >  >>