للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي عن طلق بن غنام قال: حدثنا زائدة وحفص بن غياث عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب عن بلال قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)].

المسح على الخفين متواتر، وهذا الحديث فيه شيخ المؤلف حسين الجرجرائي، وفيه عنعنة الأعمش، لكن الحديث له شواهد كثيرة، فحديث المسح على الخفين من الأحاديث التي بلغت حد التواتر، وقد رواه من الصحابة ما يزيد على سبعين صحابياً، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وفيه الرد على الرافضة الذين لا يرون المسح على الخفين، بل يوجبون خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين وجب مسح ظهور القدمين عندهم، وإن كانتا مستورتين بالخفين وجب نزع الخفين ومسح ظهور القدمين عندهم، ويستدلون بقراءة الجر في آية المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلِكم).

فقالوا: الأرجل مجرورة بالعطف على الرءوس، والرءوس ممسوحة، والمعطوف على الممسوح ممسوح.

وأجاب أهل السنة أن قراءة الجر محمولة على المسح على الخفين، وقراءة النصب بالعطف على غسل اليدين.

والجواب الثاني: التوسع في لفظ (امسحوا) فيشمل الإسالة والإصابة.

فإن المسح يطلق على الغسل الخفيف، والمعنى: امسحوا برءوسكم إصابة وإمراراً باليد على العضو مبلولة بالماء، وامسحوا بأرجلكم إسالة وصباً للماء، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة.

والرافضة أجابوا عن قراءة النصب وهي: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:٦] فقالوا: إن قوله تعالى: ((وَأَرْجُلَكُمْ)) معطوف على محل (رءوسكم)؛ لأن محلها هو النصب، ويظهر ذلك إذا نزعت الخافض.

فـ (أرجلكم) بالنصب معطوف على محل (رءوسكم) بعد نزع الخافض، وعلى هذا يكون العطف على المسح.

ولكن أجاب أهل السنة بأن العطف على المحل لا يصح إذا تغير المعنى، وهنا يتغير المعنى؛ لأن الباء تفيد معنى زائداً؛ لأنها هنا للإلصاق، والمعنى: ألصقوا بأيديكم شيئاً من الماء وامسحوا برءوسكم.

فإذا حذفت الباء صار معناها مسح الرأس بدون إلصاق شيء من الماء، فيتغير المعنى، فلا يصح العطف، ولو كانت زائدة صح العطف على المحل، ومنه قول الشاعر: فلسنا بالجبال ولا الحديدا فالباء زائدة، و (الحديدا) معطوف على محل (الجبال)، أي فلسنا الجبال ولا الحديدا.

وبهذا يبطل دعوى الرافضة في أن الأرجل تكون معطوفة على محل الغسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>