للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث المغيرة في المسح بالناصية وجانبي العمامة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح على العمامة.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال أخبرني عمرو بن وهب الثقفي قال سمعت المغيرة بن شعبة قال: (خصلتان لا أسأل عنهما أحداً بعد ما شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا معه في سفر فبرز لحاجته، ثم جاء فتوضأ ومسح بناصيته وجانبي عمامته، ومسح على خفيه، قال: وصلاة الإمام خلف الرجل من رعيته، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر فحضرت الصلاة، فاحتبس عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأقاموا الصلاة وقدموا ابن عوف فصلى بهم، فلما سلم ابن عوف قام النبي صلى الله عليه وسلم فقضى ما سبق به)].

هذا أخرجه البخاري في الصحيح، وفي الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الناصية وعلى العمامة، أي: أكمل على العمامة.

وهذا الحديث فيه فوائد: ففيه جواز الاستعانة في الوضوء؛ لأن المغيرة صب عليه.

وفيه المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة.

وفيه المسح على العمامة.

وفيه أن الإمام إذا تأخر عن الوقت المعتاد فإن الناس يقدمون من يصلي بهم ولا يحبس الناس، فلهذا لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته ومعه المغيرة - وكان هذا في غزوة تبوك- قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم، فإذا تأخر الإمام فإن المأمومين يقدمون من يصلي بهم، ولا يحبس الناس.

وفيه أنه لا ينبغي للإمام أن يغضب إذا تأخر، فيجمع بين السيئتين كما يفعل بعض الجهال، فبعضهم يقول للمأموم: أعد، أعد.

والذي ينبغي للمأمومين هو أن ينتظروه بعض الوقت، فإذا غلب على الظن أنه لا يأتي فإنهم يقدمون من يصلي بهم، كما فعل الصحابة في غزوة تبوك، حيث قدموا عبد الرحمن بن عوف، وكما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب للإصلاح بين بني عوف، حيث جاء بلال إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال: نعم إن شئت، فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر رضي الله عنه، فكبر للناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر أبو بكر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى لكنه تأخر.

ولهذا جاء في قصة عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أحسنتم أو أصبتم.

ففيه جواز صلاة الإمام خلف الرجل من رعيته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن عوف وهو من رعيته، ومثله صلاة إمام الحي خلف واحد من المأمومين.

وفيه أن الأولى أن الإنسان إذا فاته شيء من الصلاة ومعه غيره لا يأتم أحدهما بالآخر، فكل واحد يقضي وحده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة فاتتهما ركعة، حيث جاءا ليصليا الفجر وقد صلى عبد الرحمن بن عوف ركعة، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتت، وقام المغيرة، ولم يأتم المغيرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كل قضى وحده، وإن ائتم أحدهما بالآخر فلا حرج.

وفي القصتين أن الإمام إذا جاء ولم يفته شيء من الصلاة فلا بأس بأن يتقدم ويتأخر الإمام، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي بكر، وأما إذا فاته شيء من الصلاة فالأولى ألا يتقدم؛ حتى لا يشوش على الناس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الرحمن بن عوف؛ لأنه فاته ركعة، فلم يتقدم وصلى خلفه، وأما أبو بكر فإنه كان في الركعة الأولى، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>