للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث ابن عباس في أمر رسول الله لهم بإسباغ الوضوء]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأمر بإسباغ الوضوء: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أبو جهضم قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: (كنا جلوساً إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنها فقال: والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة أشياء: فإنه أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل).

أخبرنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء)].

هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بهذه الأشياء الثلاثة: إسباغ الوضوء، وترك أكل الصدقة، وعدم إنزاء الحمر على الخيل، وهذه ليست خاصة بهم، وإنما المراد مزيد التأكيد، فإن إسباغ الوضوء مأمور به كل مسلم، كما سيأتي في الحديث الذي بعده: (أسبغوا الوضوء)، وإسباغ الوضوء معناه: إبلاغه وإتمامه، وتفقد ما ينبو عنه الماء، وهذا مأمور به كل مسلم.

وإسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات، ويحط به الخطايا، ولكن أهل البيت لهم مزيد التأكيد.

وأما إنزاء الحمر على الخيل فهذا قد نهي عنه أيضاً أهل البيت وغيرهم، والحمر: جمع حمار، والمراد بالإنزاء: أن يدع المرء الذكر من الحمر ينزوا على الأنثى من الخيل، فتحمل منه فتأتي بالبغل، فالبغل هو المتولد من الحمار والخيل، فأبوه حمار وأمه من فصيلة الخيل، والخيل حلال يجوز أكله؛ لقول أسماء رضي الله عنها: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلنا لحمه)، وأما البغل فحرام الأكل؛ لأنه متولد من حلال وحرام.

والنهي عن إنزاء الحمر على الخيل إنما هو لئلا يتولد منهما البغل، وفي هذا تقليل لنسل الخيل، والبغل ليس له القوة والجلد والخفة، فلهذا نهي عن إنزاء الحمر على الخيل، ولا ينافي هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدم البغل، وكذلك من الله تعالى به على العباد بقوله: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:٨]، فهذا إنما هو بعد وجودها، فلا بأس عندئذٍ باستعمالها، وأما إنزاء الحمر على الخيل فلا يفعله إلا عاص أو كافر، فإذا أنزى الحمار على الخيل عاص أو كافر وتولد من ذلك البغل فلا بأس بأن تركب على البغل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يركب البغل، كما أن الصور لا يجوز تصويرها، ولكن إذا وجدت الصورة وامتهنت في الفراش فلا بأس ببقائها، ولا تمنع دخول الملائكة، لكن التصوير محرم، فإذا صور إنسان وامتهنت الصورة بوطئها أو بالجلوس عليها فلا حرج في بقائها، وكذلك إنزاء الحمر على الخيل ممنوع، لكن إذا أنزى فاسق أو كافر حماراً على الخيل فأتت ببغل فلا بأس باستعمال البغل.

وأما الصدقة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد) وبين أن علة ذلك أنها أوساخ الناس.

قال بعض العلماء: المحرم على النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفريضة، أما صدقة التطوع فلا بأس بها له.

والذي يظهر من ظاهر النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز له صدقة التطوع ولا الفرض؛ وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأكل الصدقة، وأما أهل البيت فإنهم يأكلون صدقة التطوع دون صدقة الفرض.

وفي هذا الإسناد أبو جهضم، قال فيه ابن حجر: صدوق.

وفيه يحيى بن حبيب شيخ النسائي، قال فيه: ثقة، وعبد الله بن عبيد الله بن عباس قال فيه: ثقة.

فهذا الحديث لا بأس بسنده في الظاهر، وما فيه محمول على أنه لمزيد التأكيد، وليس خاصاً بأهل البيت، إلا الصدقة فلا يأكلها أهل البيت.

فالمقصود من ذلك اللفظ هو مزيد التأكيد، وقد ثبت أن علياً رضي الله عنه خطب الناس وقال: إنه ليس عندنا شيء خصنا به النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما في هذه الصحيفة.

وهي صحيفة فيها أسنان الإبل، وأنه لا يقتل المسلم بالكافر، وهذا يرد على الشيعة الذين يقولون: إن آل البيت خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس.

فالمراد مزيد التأكيد؛ لأن هذه الأمور ليست خاصة بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>