للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في ذلك.

أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)].

هذا الحديث فيه فضل هذه الأشياء الثلاثة: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وبيان أن ذلك من الرباط، وكرر قوله: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)، للتأكيد، والرباط: هو ملازمة الثغور، وهي حدود الدولة الإسلامية؛ حتى لا يأتي الأعداء، فالجيش المرابط على حدود الدولة الإسلامية يقال له: مرابط.

والمرابطة لها أجر عظيم، والرباط في سبيل الله من أفضل القربات وأجل الطاعات، وأفضل من التعبد في المسجد الحرام، ولهذا قال الله تعالى منكراً على المشركين: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة:١٩].

فالجهاد في سبيل الله والرباط من أفضل الأعمال وأجل القربات وأفضل العبادات؛ إذ إن بعض الأعمال نفعه قاصر، بخلاف الجهاد فإن نفعه متعد، فالرباط وملازمة حدود الدولة الإسلامية حتى لا يأتي الأعداء منها، من أفضل القربات.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة من الرباط، وأولها: إسباغ الوضوء، أي: إبلاغه وإتمامه، ولا سيما عند المكاره، أي: في وقت البرد ووقت الحر.

وثانيها: انتظار الصلاة بعد الصلاة، وليس المراد أنه يجلس في المسجد ولا يخرج، بل المعنى أنه ينتظرها بقلبه، فكلما انتهت الصلاة انتظر الصلاة الأخرى، فقلبه معلق بالمسجد وإن خرج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج ولا يجلس في المسجد، كان يخرج لقضاء حوائج المسلمين، وتبليغ الإسلام والدين، ومقابلة الوفود، والإجابة على الأسئلة، وكذلك المسلم يحتاج إلى قضاء حوائج أهله، وزيارة إخوانه، فإن جلس في المسجد فاتت هذه المصالح، فالمعنى أنه ينتظرها بقلبه وعنايته، فكلما انقضت صلاة انتظر الصلاة الأخرى، وإذا جلس في بعض الأحيان لقراءة القرآن أو الذكر أو حضور درس للتعلم أو التعليم، وانتظر الصلاة إلى الصلاة؛ فهذا نور على نور، ويكون هذا من الرباط.

<<  <  ج: ص:  >  >>