للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حلية الوضوء.

أخبرنا قتيبة عن خلف -وهو ابن خليفة - عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، وكان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة! ما هذا الوضوء؟! فقال لي: يا ابن فروخ! أنتم هاهنا؟! لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)].

هذا اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه، وهو كونه يغسل يديه حتى يجاوز المرفقين ويصل إلى الإبطين، وكذلك في غسل الرجلين ثبت عنه أنه كان يجاوز الكعبين حتى يكاد يبلغ الركبة، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء).

و (حيث): ظرف مكان، والمعنى أن المؤمن يحلى في الجنة بالذهب في يديه وفي رجليه، ففي الدنيا لا يلبس الرجل الذهب، لكن في الآخرة يحلى، كما قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:٣١]، وكذلك يلبس الحرير في الآخرة، وفي الدنيا لا يلبس الرجل الحرير، إذ الآخرة دار نعيم، والدنيا دار تكليف، والجنة ليس فيها تكليف، بل يتنعم العبد فيها بما أعطاه الله له، ومن ذلك أنه يحلى بالذهب، كما قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:٣١]، ويلبس أنواع الحرير.

فـ أبو هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) أي: أن حلية الذهب الذي يتحلى به في يديه تصل إلى ما يصل إليه الوضوء، فاجتهد أبو هريرة وأراد أن يطول، فبدل أن يغسل يديه إلى المرفقين جعل الغسل إلى الإبط؛ حتى تزيد الحلية، وهذا اجتهاد منه، وكذلك في غسل الرجلين إلى الكعبين في الوضوء، فقد كان يجاوز الكعب إلى قريب من الركبة؛ حتى تزيد الحلية.

ولهذا لما رآه بعض الناس وأنكر عليه قال: أنتم هنا يا ابن فروخ؟! لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء؛ لأنه بناه على الاجتهاد، والصواب أن غسل اليد لا يتجاوز المرفق، وإنما يعمل بالسنة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجري الماء على مرفقيه ولا يصل إلى الإبط، وكذلك الرِّجل، فيغسل الكعبين ولا يتجاوزهما، وإنما هذا اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه.

ولهذا أخفى وضوءه، وقال لما أُنكر عليه: لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء.

<<  <  ج: ص:  >  >>