للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث علي (إن أبا طالب مات)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الغسل من مواراة المشرك.

أخبرنا محمد بن المثنى عن محمد حدثني شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال: اذهب فواره، قال: إنه مات مشركاً، قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه فقال لي: اغتسل)].

ابن إسحاق في السنن الكبرى عنعن، لكنه هنا صرح بالسماع، فزال ما يخشى من تدليسه.

وهذا الحديث فيه دليل على مشروعية الاغتسال من مواراة المشرك ودفنه، فالمشرك يوارى، والمسلم يدفن على ما جاء به الشرع: يغسل ويصلى عليه ويدفن في اللحد.

أما الكافر فإنه يحفر له حفرة ويوارى فيها؛ حتى لا يتأذى المسلمون برائحته ولا يتأذى به أهله برؤيته؛ لأن الكافر لا حرمة له، ولهذا قال: (إن أبا طالب مات مشركاً)، وفي اللفظ الآخر عند أبي داود: (إن عمك الشيخ الضال مات، قال: اذهب فواره).

وقوله: (إن عمك الشيخ الضال مات) فيه دليل على أن أبا طالب مات على الشرك، وفيه الرد على الرافضة الذين يقولون بإسلامه، فإن الرافضة يقولون: إن أبا طالب مسلم، ويزورونه، فهم مثله، نسأل الله السلامة والعافية.

ومما يؤيد أنه مات مشركاً ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر أبا طالب لما حضرته الوفاة، فقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، وعنده عبد الله بن المغيرة وأبو جهل، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله).

والصحيح: أنه مات على الشرك، نسأل الله السلامة والعافية.

ولله في ذلك الحكمة البالغة، ومن الحكم: أن يعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، وأنه ليس بيده شيء من هداية القلوب، بل هداية القلوب بيد الله، ولو كان يستطيع أن يهدي أحداً لهدى عمه الذي يأويه وينصره، ولهذا صار يقال: النبي عليه الصلاة والسلام ما هدى عمه، كما أن إبراهيم ما هدى أباه، وكذلك نوح ما هدى ابنه، فالهداية بيد الله.

وهذا الحديث فيه دليل على استحباب الغسل من مواراة المشرك ودفن المسلم، والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن المسلم إذا دفن قريبه أو واراه إذا كان مشركاً يحصل له بعض الضعف؛ فشرع الغسل ليكون جبراً لما حصل له من الضعف؛ لأن الغسل يفيده النشاط وإزالة الضعف الذي حصل من مواراته لقريب مشرك، كما أنه يستحب الاغتسال من غسل الميت إذا غسله، وليس بواجب؛ لأنه إذا غسل ميتاً أو قلبه حصل له بعض الضعف، فشرع الغسل؛ ليفيده النشاط وليكون جبراً لهذا الضعف.

وغسل الميت لا يوجب الوضوء، وليس من النواقض، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه من نواقض الوضوء.

والصواب أن غسل الميت لا يوجب الوضوء؛ لأن الحديث ضعيف في هذا.

وكذلك مس المرأة بشهوة الصواب أنه لا ينقض الوضوء، وهذه ذكرها الحنابلة في النواقض، فإنهم قالوا: نواقض الوضوء ثمانية، وذكروا منها: مس المرأة بشهوة، ومس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً، وهذا صحيح، وأما مس المرأة بشهوة فالصواب أنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء، وكذلك غسل الميت لا ينقض الوضوء.

والقيء إذا كان قليلاً يعفى عنه، أما إذا كان كثيراً فإنه ينبغي أن يتوضأ؛ لأن العلماء حكموا عليه بالنجاسة إذا كان كثيراً.

وأما لحم الإبل فيجب الوضوء منه كله حتى ولو كان نيئاً غير مطبوخ، ولو لم تمسه النار، وهذا خاص بلحم الإبل.

والأمر بالغسل من غسل الميت يدل على الاستحباب؛ لأنه وقعت قضايا أخرى وما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، فيكون هذا صارفاً للأمر إلى الاستحباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>