للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد، ثم يغتسل منه)].

هذا الحديث فيه تحريم البول في الماء الراكد ثم الاغتسال فيه؛ لأنه إذا بال فيه الأول وبال فيه الثاني تنجس، وقد لا يتنجس إذا كان الماء كثيراً، لكنه منهي عن البول فيه؛ لأن هذا وسيلة لتنجيسه، فلا يجوز للإنسان أن يبول في الماء الراكد، ثم يغتسل منه.

وقوله: (ثم يغتسل) بالجزم عطف على البول؛ يعني: لا يجمع بين البول والاغتسال، ويصح: ثم يغتسل منه؛ لأنه قد يحتاج إلى الاغتسال به، والمقصود أنه منهي عن الاغتسال في الماء الراكد، وإذا بال فيه يكون النهي أشد؛ لأنه وسيلة إلى تنجيسه.

ومادام أن الماء لا يجري فهو راكد، لكن إذا كان يجري فهذا لا إشكال فيه؛ لأن الجريان لا يترك مجالاً للنجاسة أن تستقر، فإذا بال في الماء الذي يجري أو اغتسل في الماء الذي يجري فلا حرج، وذلك أنها تذهب الجرية ويأتي بعدها غيرها، لكن إذا كان راكداً لا يجري سواء تحرك أو لم يتحرك فهو راكد سواء كان في بركة أو في إناء كبير، كالإناء المصنوع من حصى أو من القرو فلا يجوز للإنسان أن يغتسل في وسطه، وإذا بال فيه يكون أشد نهياً، وإنما إذا أراد الاغتسال يغترف منه اغترافاً كما سئل أبو هريرة: ماذا يفعل؟ قال: يغترف منه اغترافاً، فيغترف بيده أو بإناء، ويكون خارج الماء، أما أن يغتسل فيه فهذا منهي عنه.

وإذا اغتسل وسط الماء يكون الماء مستعملاً ولا يكون نجساً؛ لأن البول وسيلة للتنجيس، وأما الاغتسال فليس وسيلة للتنجيس، لكن يكون الماء مستعملاً.

وإذا غمس الإنسان نفسه فيه وأتى الثاني والثالث وغمس نفسه فيه أيضاً صار هذا وسيلة إلى أن -مثلاً- يسقط فيه شيء من الفضلات.

والجمهور يرون أنه إذا غمس نفسه فيه يكون الماء مستعملاً ولا يرتفع الحدث؛ لأن النهي يقتضي الفساد، ولا يقتضي هذا إراقة الماء، بل يتركه ليستفاد منه فيستعمل في شيء آخر، فالماء ليس بنجس، لكنه مستعمل.

وإذا بال في الماء الراكد وكان قليلاً -أي: دون القلتين- فهو نجس؛ لحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، والقلتان خمس قرب.

والقول الثاني للمحققين: أنه لا ينجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة، لحديث أبي سعيد: (الماء طهور لا ينجسه شيء).

وعلى كل، فالحديث الأول فيه النهي عن الاغتسال في الماء الراكد، لكن الثاني فيه النهى عن البول فيه، ثم الاغتسال منه حتى ولو لم يغتسل فيه، فهو نجس في هذه الحالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>