للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب.

أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال: (لقد لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً)].

فيه النهي عن الامتشاط كل يوم؛ لما فيه من التنعم والترفه، والذي ينبغي أن يكون الامتشاط يوماً بعد يوم؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الامتشاط كل يوم ولعله للتنزيه.

وقوله: (وأن يبول في مغتسله)؛ لأنه قد يسبب الوسواس فقد يبول في مغتسله فإذا صب عليه الماء قد يأتيه شيء من رشاش البول، وهذا إذا كان المغتسل أرضاً يعني: غير مبلطة، فيبقى فيها البول، إما إذا كان مبلطاً ويزول بصب الماء عليه فلا إشكال فيه، وكان المغتسل في زمانهم لا يبلط ولا يسمت بل كان تراباً، ولا يوجد عندهم حمامات يزول فيها الماء، فإذا بال فيه بقي البول تحته، فإذا صب عليه الماء أصاب شيئاً من الرشاش فيؤدي إلى الوسواس.

وقوله: (أو يغتسل الرجل من فضل المرأة والمرأة بفضل الرجل)، هذا النهي اختلف في الجمع بينه وبين حديث عائشة السابق: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً) وحديث أم سلمة؛ لأنها إذا اغترفت صار فضلاً لها، فقيل: إن حديث النهي عن اغتسال الرجل بفضل المرأة منسوخ بحديث عائشة: (كنا نغتسل جميعاً)، وقيل: إن النهي للتنزيه وأن الأولى ألا يغتسل بفضل المرأة، فإذا اغتسل فهو مكروه، والنهي للتنزيه، واستدلوا باغتسال النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة وأم سلمة وميمونة، وقالوا: هذه الأحاديث صرفته من النهي عن التحريم إلى التنزيه، فيكون مكروهاً، وإذا احتاج إليه زالت الكراهة، وإذا وجد غيره فإنه مكروه، والجمع بين الحديثين هو الأولى؛ لأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع وعرف التاريخ، وهذه هي القاعدة، فيحمل النهي على التنزيه.

والأصل في النهي أنه للتحريم إلا إذا صرفه صارف، وهنا صرفه صارف وهو اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وميمونة، والقاعدة هي: النهي للتحريم، والأمر للوجوب، ولا يصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب إلا بدليل آخر، والنهي لا يصرف عن التحريم إلا بدليل آخر، فكلما جاء نهي فهو للتحريم، إلا إذا وجد دليل ناسخ، وكلما جاء أمر فهو للوجوب إلا إذا وجد دليل ندب يقتضيه.

وقوله: (لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم)، فالصحابة كلهم عدول، ولا يضر إبهام الصحابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>