للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث ميمونة في تنحي رسول الله عن مقامه لغسل رجليه في غسل الجنابة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه.

أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا عيسى عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني خالتي ميمونة رضي الله عنها قالت: (أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل بيمينه في الإناء فأفرغ بها على فرجه، ثم غسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، قالت: ثم أتيته بالمنديل فرده)].

حديث عائشة وحديث ميمونة كلاهما في الصحيحين، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام بدأ أولاً وغسل يديه ثلاثاً، قيل: إنه بعد ذلك استنجى وغسل الأثر الذي فيه، ثم ضرب بيده الحائط فدلكها دلكاً شديداً؛ لإزالة ما علق بها من الأثر، والآن لا يوجد عندنا حائط فيه تراب ولا أرضاً بها تراب، فكل شيء أملس، لكن ينوبه الصابون وما أشبهه.

(ثم توضأ وضوءه للصلاة) عليه الصلاة والسلام وأخر رجليه، قالت: (ثم تنحى)، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم غسل شقه الأيمن، ثم غسل شقه الأيسر، ثم غسل رجليه بعد ذلك، وقولها: (ثم تنحى) أي: حتى يبتعد عن الطين؛ لأن المستحمات عندهم ليست مبلطة كما هي عندنا، بل كان فيها طين، فيتنحى عن المكان إلى مكان آخر حتى يغسل رجليه بعد ذلك لتكون نظيفة من أثر الطين، لأنهم كانوا يلبسون الحذاء دائماً، فإذا اغتسل علق الطين والتراب برجله، فتنحى إلى مكان آخر لما انتهى، ثم غسل رجليه في آخر الأمر حتى تكونا نظيفتين من أثر الطين.

وفي حديث عائشة أنه توضأ وغسل رجليه ثم أكمل وضوءه، وفي حديث ميمونة أخر غسل الرجلين حتى انتهى ثم غسلهما، فهو مخير بين هذا وهذا، ولكن الآن لا يوجد أثر للطين في الحمامات، فإذا أكمل وضوءه على ما في حديث عائشة فحسن، ثم يكمل الغسل.

وقولها: (ثم أتيته بالمنديل فرده، فجعل ينفض الماء بيديه)، فيه دليل على أن ترك التمندل والتنشف بعد الغسل أفضل، وإن تمندل فلا حرج، لكن تركه أفضل، ولعله من أجل أن يتقاطر الماء من أثر الغسل، ولهذا قالت ميمونة رضي الله عنها: (فأتيته بالمنديل فرده، وجعل ينفض الماء بيديه)، وهذا في الغسل، أما الوضوء فهو مسكوت عنه، ولهذا يقول الفقهاء: وتباح معونته وتنشيف أعضائه للمتوضئ.

<<  <  ج: ص:  >  >>