للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مماسة الجنب ومجالسته]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مماسة الجنب ومجالسته.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن الشيباني، عن أبي بردة عن حذيفة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له، قال: فرأيته يوماً بكرة، فحدت عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال: إني رأيتك فحدت عني! فقلت: إني كنت جنباً فخشيت أن تمسني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم لا ينجُس)].

قوله: ماسحه لعل المراد: صافحه، قوله: فحدت يعني: ملت.

قوله: (إن المسلم لا ينجس) فيه دليل على أن المسلم لا ينجس، والدليل على أنه طاهر ولعابه طاهر، وكذلك الحائض بدنها ولعابها، وإنما النجاسة نجاسة خروج الدم، فالمسلم لا ينجس، والحدث أمر تعبدي يمنع من الصلاة ومن مس المصحف، فالحدث ليس نجاسة، ولهذا لما حاد حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومال عنه قال له النبي: (إن المسلم لا ينجس) وفي لفظ آخر في قصة قال: (إن المؤمن لا ينجس) فليس الحدث نجاسة، وإنما هو أمر تعبدي معنوي يمنع من العبادة، ويمنع من الصلاة، ويمنع من الطواف في البيت، ويمنع من مس المصحف، وليس نجاسة.

قال: [أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا يحيى حدثنا مسعر حدثني واصل عن أبي وائل عن حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فأهوى إلي، فقلت: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس).

أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر -وهو ابن المفضل - قال: حدثنا حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسل عنه فاغتسل ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله إنك لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجُس).

في الحديث الأول أن المسلم لا ينجس، فالمؤمن لا ينجس، وإنما هو أمر تعبدي، وفيه دليل على أنه لا بأس أن يؤخر الإنسان الغسل، وأنه لا حرج، ولا يعتبر هذا من التهاون كما سبق من بعض الشراح قال: إن هذا يحمل على التهاون في الجنابة، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه وكذلك حذيفة أخرا الغسل مدة ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: تهاونتم! لماذا أخرتم الغسل؟ فهذا يدل على أن ذلك الحديث إما أنه ضعيف أو محمول على الجنب إذا لم يتوضأ، وهو حديث: (لا تدخل الملائكة بيت فيه صورة ولا كلب ولا جنب) فبعضهم حمله على المتهاون، فليس بظاهر، وإنما يحمل إن صح على من لم يتوضأ.

وفيه مشروعية التسبيح عندما يتعجب من شيء دون التصفيق، ولهذا قال له النبي لما جاء: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) ولم يصفق، فهذا دليل على رد ما يفعله بعض الناس إذا جاءهم شيء صفقوا، فهذا خلاف المشروع، بل هو من هدي المشركين، قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:٣٥]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما التصفيق للنساء) وإنما إذا أعجب الإنسان شيءٌ يسبح ويكبر الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>