للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث ابن مسعود في وضع كفار قريش سلا الجزور على ظهر رسول الله]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب.

أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: حدثنا خالد -يعني ابن مخلد - قال: حدثنا علي -وهو ابن صالح - عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: حدثنا عبد الله في بيت المال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس، وقد نحروا جزوراً، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجداً فيضعه -يعني: على ظهره-، قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به، ثم أمهله فلما خر ساجداً وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: اللهم عليك بقريش -ثلاث مرات-، اللهم عليك بـ أبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، حتى عد سبعة من قريش، قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد)].

هذا الحديث أخرجه الشيخان، وعبد الله هو: ابن مسعود رضي الله عنه.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وكان ملأ قريش يجلسون عندها، وغالباً ما يكونون أمام الحجر، ونحروا في ذلك اليوم جزوراً، وكانوا يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث -وفي لفظ: سلا الجزور- بدمه ثم يمهله حتى يضع وجه ساجداً فيضعه على ظهره، قال عبد الله: فانبعث أشقاها، فأخذ الفرث فذهب به فأمهل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خر ساجداً وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم -وكانت جارية- فجاءت تسعى، فأخذته عن ظهره وألقته، أقبلت على الكفرة تسبهم، فلما فرغ من صلاته، أي: النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم، فقال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، وكانوا يضحكون فيما بينهم، حتى يكاد أحدهم أن يسقط من الضحك، فلما فرغ من صلاته وجعل يدعو عليهم زال عنهم الضحك، وخافوا! وقال: اللهم عليك بـ أبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة , وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، حتى عد سبعة من قريش، قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد، أي: قتل هؤلاء السبعة، فتقبلت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقتل هؤلاء الكفرة وسحبوا في القليب، نسأل الله السلامة والعافية.

وهذا الحديث استدل به المؤلف من جهة أنه وضع الفرث على النبي وهو يصلي ولم يخرج من صلاته، فصلى وعليه فرث البعير.

ومن المعلوم: أن البعير طاهر، فيكون فرثه طاهراً، لكن هذه الجزور من الذي نحرها؟ نحرها المشركون، فهي إذاً ميتة -وهكذا ما يذبحه المشركون له حكم الميتة- فتكون نجسة، فكيف يستدل المؤلف بهذا الحديث على طهارة فرث ما يؤكل لحمه؟! فقال: (باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب)، فهل يؤكل لحم الجزور وهو ذبيحة مشرك؟ قد يقال: في ذلك الوقت كان يؤكل لحمه؛ لأن الشريعة ما استقرت في مكة، ولم تنزل الأحكام, وإنما استقرت الأحكام في المدينة، ونزل تحريم الميتة.

والنبي صلى الله عليه وسلم استمر في صلاته أي: عند أن وضع المشركون عليه الفرث ولم يقطع صلاته؛ لأن الشريعة ما استقرت والأحكام لم تنزل بعد، ثم أنزل عليه تحريم الميتة في ذلك الوقت، ولا يكون استدلال المؤلف في موضعه؛ لأمرين: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري ما ألقي عليه، وإلا فمعلوم أن الدم نجس ولو كان مما يؤكل لحمه.

ثانياً: أن الاستمرار في الصلاة غير البدء، كمثل ما مر معنا في الحديث الذي عنده أبي داود في قصة الرجلين الأنصاري وصاحبه اللذين جلسا يحرسان، فقام أحدهما يصلي فجاءه سهم، فأخذه ونزعه، ثم جاءه ثان وثالث، وجعلت الدماء تسيل منه وهو مستمر في صلاته ولم يقطعها؛ لأن الاستمرار في الصلاة غير البدء فيها، ولأن قطع الصلاة لا يفيده في هذه الحالة.

فالمقصود: أن إتيان المؤلف رحمه الله بهذا الحديث في هذه الترجمة فيه إشكال، وليس في الاستدلال شيء واضح إلا من جهة أن الجزور يؤكل لحمه، لكن قد بينا أن التشريع لما ينزل في ذلك الوقت، ولما تحرم الميتة، وإنما كان على الأصل أنه طاهر؛ ولهذا استمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، والدم الذي في الفرث ليس دماً مسفوحاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك.

فالمقصود: أن هذا الاستدلال ليس بواضح لما أراده المؤلف رحمه الله.

والمؤلف ترك الترجمة مفتوحة ولم يجزم بحكم فيها؛ لوجود الإشكالات.

<<  <  ج: ص:  >  >>