للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث طارق بن شهاب في تصويب رسول الله عمل من أجنب فلم يصل وعمل من أجنب فتيمم وصلى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة أن مخارقاً أخبرهم عن طارق: (أن رجلاً أجنب فلم يصل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أصبت.

فأجنب رجل آخر فتيمم وصلى، فأتاه فقال نحو ما قال للآخر -يعني: أصبت-)].

هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب الذي لم يصل وصوب الذي صلى، فقال للأول: أصبت يعني: في ترك الصلاة عند عدم الماء وترك التيمم.

لكن هذا الحديث في سنده كلام، ففيه طارق بن شهاب، وهو مختلف في صحبته، فإذا ثبت أنه صحابي كان الحديث مرسل صحابي وهو حجة، وإذا لم يثبت أنه صحابي كان الحديث مرسلاً، والمرسل ضعيف لا يحتج به.

ومخارق هو: مخارق بن خليفة الأحمسي، وقيل: اسم أبيه: عبد الله بن عبد الرحمن الكوفي.

روى عن طارق بن شهاب، وعنه السفيانان، وهو ثقة.

وهناك مخارق بن سليم الشيباني صحابي، روى عنه ابنه قابوس.

وطارق بن شهاب هو الأحمسي، كوفي مخضرم، وله رؤية، قاله أبو داود، روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى، وعنه قيس بن مسلم وعلقمة بن مرثد، وثقه ابن معين.

وعلى كل حال الحديث فيه كلام، وقد ثبت حديث عمار، فهو مقدم عليه، وهذا فيه: أن الرجل لم يصل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت.

وهذا مخالف لحديث عمار، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يتيمم، وقال: يكفيك التيمم.

قال السندي رحمه الله: [ثم الظاهر أن مراد المصنف في الترجمة أن من لم يجد ماء ولا تراباً يصلي ولا يعيد، ووجه استدلالهم بالحديث تنزيل عدم مشروعية التيمم منزلة عدم التراب بعد المشروعية، إذ مرجعهما إلى تعذر التيمم، وهو المؤثر هاهنا.

قلت: وهذا هو الموافق لظاهر قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أو كما قال، إذ الصلاة على حاله غاية ما يستطيع الإنسان في تلك الحالة، وغير المستطاع ساقط، ولا يسقط به المستطاع إلا بدليل هو الموافق للقياس والأصول، فإن سقوط تكليف الشرط لتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط].

أي: أن سقوط تكليف الشرط - وهو الوضوء مثلاً - بتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط، وهو الصلاة، فإذا عجز عن الماء والتراب لا تسقط الصلاة لسقوط تكليف الشرط، وهو الطهارة بالماء أو التيمم.

قال السندي رحمه الله تعالى: [فإن سقوط تكليف الشرط لتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط لا حالاً ولا أصلاً، كستر العورة وطهارة الثوب والمكان وغير ذلك، فإن شيئاً من ذلك لا يسقط به طلب الصلاة عن الذمة، ولا يتأخر، بل يصلي الإنسان ولا يعيد، والطهارة كذلك، بل تعذر الركن لا يسقط تكليف ذات الأركان، فكيف الشرط؟ كما إذا تعذر غسل بعض أعضاء الوضوء لعدم المحل، فإنه يغسل الباقي ولا يسقط الوضوء].

أي: كما لو قطعت يده من المرفق، فإنه يغسل الذراع، ولا يسقط غسل اليد.

قال رحمه الله تعالى: [وكما إذا عجز عن القراءة في الصلاة وكذا القيام وغيره].

قلت: بل قد علم سقوط الطهارة تخفيفاً بالنظر إلى المعذور، فالأقرب أنه يصلي ولا يعيد كما يميل إليه كلام المصنف، وكذا كلام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، والله تعالى أعلم].

وقال السندي على قوله: (أصبت): [أي: حيث عملت باجتهادك.

فكل منهما مصيب من هذه الحيثية، وإن كان الأول مخطئاً بالنظر إلى ترك الصلاة بالتيمم، والله تعالى أعلم].

وفعل الثاني هو الأصح، والأول مخالف لحديث عمار، مقدم عليه حديث عمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>