للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرح حديث: (إن الماء لا ينجسه شيءٌ)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب المياه: قال الله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:٤٨].

وقال عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال:١١]، وقال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:٤٣].

أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها، فذكرت ذلك له فقال: إن الماء لا ينجسه شيء)].

هذا كتاب المياه، بين المؤلف رحمه الله فيه تأويل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:٦]، فما الماء الذي يتطهر به؟

الجواب

هو الماء الذي تطهر، وهو الطهور الباقي على خلقته، كماء البحار والأنهار والعيون والآبار والأمطار، هذا هو الماء الطهور الباقي على خلقته، فماء الأمطار وماء البحار والأنهار والآبار ماء طهور، قال سبحانه: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال:١١]، وقال سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:٤٣].

والماء الطهور أيضاً: هو الماء المطلق الذي لم يخالطه شيء غيره يسلب عنه اسم الماء.

ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من فضلها، فذكرت ذلك له، فقال: (إن الماء لا يجنب لا ينجسه شيء).

والحديث يروي فيه سماك عن عكرمة؛ ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب إذا عنعن، لكن الحديث له شواهد تؤيده.

والآيات التي ذكرت في أول الباب تدل على أن الأصل في الماء الطهارة.

وجاء في حديث آخر: (أنه اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم واغتسل منها، فقالت: إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا يجنب).

وجاء في الحديث الآخر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة).

أما ما جاء من النهي عن الوضوء بفضل المرأة فهو محمول على التنزيه إذا لم يوجد غيره في أصح قولي العلماء، وهذا هو الصواب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، أنه اغتسل هو وبعض أزواجه من إناء واحد يغترفان جميعاً، وإذا اغترفت صار الماء بعدها فضلاً، ومع ذلك كان يغترف منه عليه الصلاة والسلام، فالأصل في الماء الطهورية إلا إذا تغير بمادة أخرى أو اختلطت به مادة أخرى سلبت عنه اسم الماء.

وقوله: (إن الماء لا ينجسه شيء) يعني: ما دام باقياً على أصله، إلا إذا تغير بالنجاسة أو تغير بمادة أخرى سلبت عنه اسم الماء، كأن يختلط به لبن كثير فيكون لبناً، أو صب عليه زعفران فيكون زعفراناً، أو حبر يسلب عنه اسم الماء، أو يكون الماء ليس بماء مطلق، كعصير بعض الفواكه، فهذا لا يسمى ماء مطلقاً ولو كان صافياً، وإنما هو ماء عصير.

وإذا تغير بغير ممازج - كطحلب وما أشبه ذلك - فلا يضر؛ لأن هذا شيء طاهر، ومثله ما يسقط من أوراق الأشجار.

<<  <  ج: ص:  >  >>