للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث عائشة في قصة حيضها بسرف في مسيرهم إلى الحج]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الحيض والاستحاضة.

باب بدء الحيض، وهل يسمى الحيض نفاساً.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما لك أنفست؟ قلت: نعم.

قال: هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم، فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)].

هذا الحديث فيه بيان ما ترجم له المؤلف رحمه الله من بدء الحيض، وأن بدء الحيض كان من أول ما كتب الله على بنات آدم في حواء وبناتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم)، ففيه الرد على من قال: إن الحيض أول ما بدأ في بنات بني إسرائيل، وإن نساء بني إسرائيل فعلن أمراً فأصابهن الحيض، وإنه قبل ذلك كانت النساء لا يأتيهن الحيض وأنهن فعلن كذا وكذا ثم أصبن بالحيض.

وتأول ما ذكر عن ابن مسعود بسند صحيح عنه أنه قال: (كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعاً، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض فمنعهن المساجد).

ويحتمل أنه أخذ عن بني إسرائيل؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه قد يأخذ عن بني إسرائيل قليلاً.

والحافظ ابن حجر رحمه الله تأوله على معنى طول المكث عقوبة لهن، لا أنه ابتدئ وجوده.

ومما يدل على أن الحيض كان قبل بنات بني إسرائيل تفسير بعض المفسرين لقول الله تعالى في قصة سارة زوج إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود:٧١]، قال بعض العلماء: معنى (ضحكت): حاضت.

والمعلوم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قبل بني إسرائيل، فإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة والسلام، والأنبياء من ذريته، ويعقوب هو حفيد إبراهيم، وسارة جدته، وقد ألقي عليها الحيض، فيكون قبل بني إسرائيل، لكن الحافظ ابن حجر تأوله على أن المراد طول المكث، وهو ليس بظاهر.

فالحديث دل على أن الحيض مكتوب على بنات آدم، وبنات آدم ابتدأن من حواء، واختلف العلماء في دخول حواء في ذلك.

وفيه إثبات الكتابة لله عز وجل، وأنها من الصفات الفعلية، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وفي الحديث الآخر: (خط الله التوراة لموسى بيده)، ففيه إثبات للكتابة الفعلية كما يليق بجلال الله وعظمته.

وفيه تسمية الحيض نفاساً، كما ترجم المؤلف رحمه الله، لقوله: (أنفست؟) يعني: أحضت؟ فالحيض يسمى نفاساً.

وفي الحديث من الفوائد أن الحائض إذا أحرمت بالعمرة ثم جاءها الحيض وبقي حتى جاء الحج فإنها تلبي بالحج وتدخل الحج على العمرة، فتكون قارنة، فتدخل أعمال العمرة في أعمال الحج، فتطوف طوافاً واحداً وتسعى سعياً واحداً، كما فعلت عائشة، فإنها أحرمت بالعمرة، فلما قربت من مكة حاضت، وبقي الدم حتى جاء الحج، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فأمرها أن تغتسل للحج وتمتشط وتلبي بالحج، وفي بعض ألفاظ الحديث: (ارفضي عمرتك وامتشطي) فأحرمت بالحج فصارت قارنة.

وفيه من الفوائد أن الحائض تفعل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاقضي ما يقضي الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت)، فتفعل جميع المناسك، فلها أن تقف بعرفة ومزدلفة ومنى، وترمي الجمار، وتقصر من شعرها، وتذبح هديها، وتبيت في منى ومزدلفة وعرفة، ولها أن تسعى ولو نزل الدم بعد الطواف؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة، ولأن المسعى ليس من المسجد، فلها أن تمكث فيه بخلاف المسجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>