للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث عائشة في سؤال بنت أبي حبيش رسول الله عن استحاضتها وعدم طهرها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي، فإنما ذلك عرق وليست بالحيضة.

قيل له: فالغسل؟ قال: وذلك لا يشك فيه أحد)].

قوله: لا يشك فيه أحد معناه أن الغسل لا بد منه بعد انتهاء دم الحيض، ولا يشك فيه، لأنه غسل واجب، فإذا انتهت مدة الحيض فلا بد من أن تغتسل، لكن بعد ذلك تتوضأ لكل صلاة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد عن هشام بن عروة، ولم يذكر فيه: (وتوضئي) غير حماد، والله تعالى أعلم].

يعني أن حماداً هو الذي ذكر: (وتوضئ وصلى) وحماد يحتمل أنه حماد بن زيد، ويحتمل أنه حماد بن سلمة، وكلاهما ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، والبعض قد يقول: إن هذه رواية شاذة؛ إذ انفرد بها حماد، والصواب أنها ثابتة؛ لأن زيادة الثقة مقبولة.

ويحتمل أن مراد النسائي رحمه الله أن هذه الرواية شاذة على طريقة من يقدم رواية الأكثر أو الأحفظ، فبعض المحدثين يقدم رواية الأكثر أو الأحفظ، فإذا لم يذكرها من التلاميذ إلا حماد تكون شاذة عند النسائي وجماعة.

وهناك قول آخر، وهو أن الزيادة إذا لم تكن مخالفة وكانت من ثقة فإنها مقبولة، وهذا اختيار المتأخرين، كالحافظ ابن حجر وغيره، وكذلك العراقي، حيث قال: واحكم بوصل ثقة في الأظهر.

فإذا كان الراوي ثقة ووصل أو رفع فهو مقدم على من قطع أو وقف، وعليه فإذا كانت الزيادة من ثقة ولم تكن مخالفة فلا تكون شاذة، وبعض المتقدمين يعتبرها شاذة إذا خالف الراوي الأكثر أو الأحفظ.

ولهذا حصل الخلاف بين العلماء: هل يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة أو لا يجب؟ المشهور عند الجمهور أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة؛ كما دل عليه هذا الحدث، وقال آخرون: لا يجب؛ لأن هذا حدث مستمر، فإذا توضأت كفاها، إلا إذا وجد ناقض آخر غير استمرار الدم.

ومن قال يجب أخذ برواية حماد بن زيد، ومن قال: لا يجب قال: إن الرواية شاذة انفرد بها حماد بن زيد، ولهذا نبه النسائي فقال لم يذكر لفظ (توضئي) غير حماد.

والراجح أنها تتوضأ، لكل صلاة، وهو الذي عليه الفتوى، وهو قول الجمهور، وهو الأحوط، والأبرأ لذمتها، ومثلها من به جروح سيالة أو به سلس البول.

<<  <  ج: ص:  >  >>