للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (أما هذا فكان لا يستنزه من بوله)]

قال المؤلف رحمه الله: [التنزه عن البول.

أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من بوله، وأما هذا فإنه كان يمشي بالنميمة.

ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً، ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).

خالفه منصور رواه عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر طاوساً].

هذا الحديث في عذاب هذين الشخصين، وقد أخرجه الشيخان أيضاً وغيرهما، وهو حديث صحيح.

وفيه: إثبات عذاب القبر، والرد على من أنكره، وأن عذاب القبر يكون على الروح والبدن كما عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العذاب والنعيم للروح فقط، الصواب: أن الذي عليه دلت عليه النصوص وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه على الروح والبدن جميعاً، وإن كانت الأحكام في البرزخ على الروح أكثر، إلا أن البدن يناله ما قدر له.

والميت سواء قبر أو لم يقبر فإنه يناله ما قدر له من السؤال ومن النعيم ومن العذاب، حتى لو أكلته السباع أو الحيتان، والمقبرة التي زرعت وصارت زرعاً على الميت فإنه يناله فيها ما قدر له؛ لأنه برزخ، وأحوال الآخرة أمور غيبية ليست كأحوال الدنيا الله أعلم بكيفيتها، ولكن نؤمن بأن كل ميت يناله ما قدر له من النعيم والعذاب سواء قبر أو لم يقبر، أو صلب على خشبة، فإنه يناله ما قدر له من تضييق القبر وتوسيعه، ونعيمه وعذابه، والسؤال، فكل يناله ما كتب له.

وفيه كما قال المؤلف: وجوب التنزه من البول، وتحريم التساهل فيه، وأن عدم التنهزه من البول من أسباب عذاب القبر، وكذلك النميمة، وهي: نقل الكلام من شخص إلى شخص، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة على وجه الإفساد، فهذه من الكبائر.

وفي الحديث: (لا يدخل الجنة قتات)، يعني: نمام.

وأما وضع الجريدة على القبرين فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس عليه غيره كما يفعله بعض الناس أو يقوله بعض الناس من أنه إذا مات الميت وضع على قبره جريدة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس بجيد وغير صحيح؛ لأننا لا نعلم حال الميت، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على حال هاذين القبرين، فغرز على كل قبر منهما جريدة.

وفي لفظ الحديث: (وما يعذبان في كبير)، وفي اللفظ الآخر: (بلى إنه كبير)، قيل معنى: (وما يعذبان في كبير) أي: لا يعذبان في شيء كبير يشق عليهما الاحتراز منه.

ثم قال: (بلى إنه كبير) أي: إثمه كبير عند الله، وليس بكبير يشق عليهما الاحتراز منه، أو ليس بكبير في نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>