للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضائل القرآن الكريم]

لقد ثبتت فضائل عظيمة جليلة للقرآن العظيم في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أبشروا؛ فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (أما بعد: ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين) وإنما سمى الكتاب والسنة ثقلين لأن الأخذ والعمل بهما ثقيل فيحتاج إلى مجاهدة، أو لأن كل واحد منهما ثقيل في الميزان، ومن الأول قول الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥].

قال صلى الله عليه وسلم: (وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار).

فقوله: (القرآن شافع مشفع) يعني: إذا شفع في شخص تقبل شفاعته (وماحل مصدق) (ماحل) مخاصم مجادل.

إذا جادل وخاصم رجلاً أمام الله عز وجل فإن الله يصدق شهادته في هذا الرجل، ويعاقبه بهجره القرآن.

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض).

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم -أيضاً- في فضيلة القرآن: (لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار) و (الإهاب) في اللغة هو الجلد، والمقصود به في هذا الحديث الجسم الذي يحفظ القرآن والصدر الذي يعي القرآن، والإشارة هنا إلى أن من وعى قلبه القرآن وعمل به فإنه يأمن من أن يحرق صدره بالنار وهو وعاء لكلام الله تبارك وتعالى.

يقول عليه الصلاة والسلام: (لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار) فكيف لو جمع القرآن في صدر عبده المؤمن؟! ويقول صلى الله عليه وسلم في رواية في أخرى: (لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار).

وهناك فضائل كثيرة في فضيلة تعلم القرآن وتلاوته، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإن لم يقم به نسيه) فهذا فيه توثيق الصلة بالقرآن حتى لا ينساه صاحبه.

وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون) فكل حرف من القرآن يؤجر عليه الإنسان عشر حسنات، ويضاعف الله تبارك وتعالى لمن شاء.

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) يعني أن موقف كل إنسان من القرآن إما يكون سبباً في رفعته في الدنيا والآخرة، وإما أن يكون سبباً في هبوط منزلته وانحداره.

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لله تعالى أهلين من الناس.

فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).

ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنكِ -يعني فاطمة عليها السلام- أول أهل بيتي لحاقاً بي، فاتقي الله واصبري؛ فإنه نعم السلف أنا لك).

فقوله: (إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين) يعني: في العام الذي توفي فيه (ولا أراه إلا حضر أجلي) استأنس وفهم من ذلك أن تكرار العرض في هذه العام مرتين لمزيد من الاحتياط في تثبيت القرآن، فعلم بذلك واستأنس أن أجله قد اقترب عليه الصلاة والسلام، ثم قال لـ فاطمة: (وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فاتقي الله واصبري؛ فإنه نعم السلف أنا لك).

ومنها أيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط).

فقوله: (إن من إجلال الله) يعني: من تعظيم شعائر الله تبارك وتعالى ومن تعظيم الله الاهتمام بهذه الأشياء وتعظيم هذه الأشياء التي ذكرها عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث، وفي التنزيل الكريم: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، فمن تعظيم شعائر الله تعظيم هؤلاء.

(إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم) أي: المسلم الذي شاب رأسه في الإسلام ونور الله تبارك وتعالى وجهه بالشعر الأبيض الذي يدل على أن هذا الشخص قد عبد الله عز وجل مدة طويلة في هذا العمر الذي امتد به حتى هذا الوقت.

وهذا الذي يستحي الله تبارك وتعالى أن يعذبه بعدما شاب رأسه أو شعره في الإسلام وفي طاعة الله تبارك وتعالى والصيام والصلاة وذكر الله عز وجل، فمن تعظيم الله وإكرام الله وإجلال الله أن تكرم ذا الشيبة المسلم.

(وحامل القرآن) وأيضاً من إجلال الله إكرام حامل القرآن، ولم يقيده بسن، فينبغي تعظيم حامل القرآن سواء أكان صغيراً أم كبيراً؛ لأنه في النوع الأول ذكر إكرام ذي الشيبة المسلم لأجل السن فقط، أما هنا فقال: (وحامل القرآن) دون تقييده بسن، لكن اشترط فيه شرطين: الأول: (غير الغالي فيه) وهو الذي لا يتجاوز الحد، والثاني: (ولا الجافي عنه) وهو الذي يهجره ويتركه، فاشترط في حامل القرآن كي يكون مستحقاً لهذا الإكرام وهذا الإجلال أن لا يكون غالياً في القرآن يتجاوز حدود الله فيه ولا جافياً عنه تاركاً له.

(وإكرام ذي السلطان المقسط)، وهو الخليفة أو الوزير أو الحاكم إذا كان عادلاً مقسطاً يرضي الله تبارك وتعالى ويتقي الله في رعيته.

ومما ورد كذلك في بيان فضل القرآن الكريم قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض الصحابة: (أوصيك بتقوى الله تعالى؛ فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض).

ويقول عليه الصلاة والسلام: (أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان؟) يعني: يجد في بيته ثلاث خلفات قد رزقه الله إياها.

والخلفة: هي الحامل من النوق.

والناقة الحامل قد يكون فيها أجنة متعددة، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان -ثلاث نوق حوامل عظام سمان-؟ فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان) وتأمل من الذي يقول هذا ومن الذي يخبر ويبشر به! إنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فحينما يقول صلى الله عليه وسلم: إن هذا خير فإنه قطعاً يكون خيراً.

ويقول -أيضاً- عليه الصلاة والسلام: (أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين زهراوين؟) يعني بالكوماء الزهراء عالية السنام ذات البهجة عظيمة الخلقة (في عير إثم ولا قطع رحم، فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) وجعل محل وموضع تعلم القرآن وقراءته المسجد، فالقرآن هو أفضل ذكر على الإطلاق، وهو كلام الله عز وجل، فإذا انضاف إليه شرف المكان وهو المسجد كان ذلك سبباً للحصول على ثواب أعظم وأكثر.

وفي الحقيقة هذه السنة مهملة إلى حد كبير في مساجدنا، مسألة قراءة القرآن في المساجد خصوصاً في الأوقات التي يتردد فيها المسلمون خمس مرات في اليوم، ونلاحظ أنه في بعض البلاد -كالسعودية مثلاً- عندما تدخل أي مسجد بين الأذان والإقامة تجد للقرآن دوياً كدوي النحل، فالناس يأتون إلى المسجد قبل الأذان أو عند الأذان أو بعد الأذان، وهناك تترك فترة بين الأذان والإقامة، فتجد جميع الناس -تقريباً- منشغلين بالقرآن تماماً إلا من كان يصلي.

فالإنسان لو أنه قرأ قبل كل صلاة حتى ولو صفحة واحدة من القرآن فإنه سوف يختم القرآن في مدة وجيزة كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى.

يقول عليه الصلاة والسلام: (أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين زهراوين في غير إثم ولا قطع رحم، فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه)، وفي رواية: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة -أي: الملائكة-، والذي يقرأه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران).

وكثير من الناس يهجر قراءة القرآن لأنه يشق عليه قراءة الحروف ولا يتمكن من ذلك فيهجر القرآن، فالإنسان لو قرأ القرآن وهو ماهر به يقيم حدوده فهو مع السفرة الكرام البررة، أما إذا كان القرآن شاقاً عليه ويتتعتع فيه ولا يستطيع قراءته فإنه لا يتركه لكن يقرأ؛ لأن له أجرين كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

وقال عليه الصلاة والسلام: (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف)، ومن الذي لا يحب أن يحب الله ورسوله؟! بل لاشك أن كل إنسان يريد أن ينور قلبه بمحبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسبيل إلى ذلك هو أن يقرأ في المصحف، كما قال عثمان رضي الله تعالى عنه: (لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله عز وجل).

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا حسد إلا في