للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السلف مع القرآن في رمضان]

كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها.

وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرأها في غير الصلاة، فهذا في الحقيقة ليس له تفسير سوى البركة العظيمة التي وضعها الله تبارك وتعالى في أعمار وأوقات هؤلاء الصالحين.

وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان.

وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.

وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة المصحف.

وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك نوافل العبادات وأقبل على قراءة القرآن.

وقال الزهري: إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام فهذا شغله الشاغل، قراءة القرآن وإطعام الصائمين.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم.

ونحن لن نقول: نختم القرآن في ثلاثة أيام أو في يومين أو في يوم أو في اليوم الواحد ختمتين.

لكن نقول: على الأقل كل مسلم يختم مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات، لكن السنة كما روي في الأحاديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ختم القرآن في أقل من ثلاث)؛ لأن الإنسان إذا قرأ القرآن في أقل من ثلاث فإنه يهزه هزاً، أي: لا يستطيع أن يتدبر الآيات جيداً، فحده في كل يوم أن يقرأ عشرة أجزاء، فهذا يعني أكثر ما يمكن أن يكون.

لكن الذي ثبت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في تحزيب القرآن أنهم كانوا يختمونه في كل سبع مرة، فكانوا يختمون السور الثلاث الأولى غير الفاتحة في أول يوم، فيبدأ في اليوم الأول بثلاث سور: البقرة وآل عمران والنساء، وفي اليوم الثاني خمس سور: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، واليوم الثالث سبع، واليوم الرابع تسع، واليوم الخامس إحدى عشرة، واليوم السادس ثلاث عشرة، وهذا ينتهي عند سورة الحجرات، ويبقى اليوم السابع فيبدأ بسورة (ق) -التي هي حزب المفصل- إلى الناس، هذا هو اليوم الأخير، فهذا هو تحزيب الصحابة رضي الله تعالى عنهم للقرآن الكريم.

ولا شك أن مسألة طلب العلم أو هذه الوظائف الشريفة تتفاوت حسب ظروف كل إنسان كما سنبين إن شاء الله تعالى، لكن من وجد فرصة لذلك فلا يضيعها؛ فإنك لا تدري هل يمتد بك العمر ويأتي عليك رمضان الآخر أو لا، فهذه فرصتك كي تعتق من النار، فرصتك أن تغتنم ثواب قراءة القرآن العظيم وتكون فرصة لإصلاح الحال والتوبة إلى الله تبارك وتعالى.