للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العقيدة الإسلامية هي منظار القيم والأفكار والمبادئ]

إن العقيدة الإسلامية هي المنظار الذي يرى المؤمن من خلاله القيم والأفكار والمبادئ، ومن خلالها يحكم على الأشخاص وينزلهم منازلهم، والعقيدة الإسلامية هي المرشح المهيمن الذي يقوم بترشيح التراث التاريخي، وكل تراث كان لأي أمة قبل دخول الإسلام فهذا التراث يخضع لهيمنة الإسلام، إذ لابد أن يقوم الإسلام بترشيحه في ضوء عقيدة التوحيد، فتراث الأجداد والآباء والتاريخ القديم يخضع لهذا المشرح؛ فما وافق العقيدة يُقبل، وما خالفها يُتخلص منه وينبذ؛ فالعقيدة هي المرشح المهيمن الذي يقوم بترشيح التراث التاريخي؛ ليحدد ما يُقبل منه وما يُنبذ.

مثال: فرعون وملؤه كانوا مصريين، لكنهم كانوا كفاراً وثنيين، وموسى عليه السلام وأتباعه من بني إسرائيل كانوا مؤمنين مسلمين، فواجب المؤمن في ضوء العقيدة الإسلامية ألا يفخر بفرعون ويعادي موسى وأتباعه المؤمنين، رغم عدائنا لليهود؛ فإن أكثر علماء اليهود ليسوا مسلمين، لكن نقول: الذين اتبعوا موسى هم على دين الإسلام، فواجب المؤمن أن يعادي أعداء الله ويبرأ منهم ولو كانوا من جلدته ويتكلمون بلسانه، ويوالي حزب الله وأولياءه من كانوا وأين كانوا ومتى كانوا، يقول تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:٢٨].

ويقول تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:٢٢].

إلى آخر الآيات الكريمات، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١].

مثال آخر: قال تعالى في الملأ المؤمنين من بني إسرائيل: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} [البقرة:٢٥٠] وجالوت وجنوده كانوا كنعانيين فلسطينيين، ومع ذلك نحن بقلوبنا نوالي بني إسرائيل المؤمنين، ونعادي الكفار ولو كانوا فلسطينيين، قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} [البقرة:٢٥٠ - ٢٥١] إلى آخر الآية.

إذاً: نحن حينما نتلو هذا القرآن الكريم نعد هذا النصر نصراً لعقيدتنا ولديننا ولهويتنا الإسلامية على هؤلاء الكافرين وإن كانوا فلسطينيين.

أوضح من هذا وأصرح أن نقول: إنه لو قُدر أن الله سبحانه وتعالى بعث الآن في هذا الزمان داود وسليمان عليهما السلام إلى الحياة من جديد فنحن نجزم حتماً وقطعاً أنهما سيكونان متبعين لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مصداق قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٨١] فما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وأنت حي لتؤمنن به ولتنصرنه، فداود وسليمان لو عادا الآن لانضما قطعاً إلى المسلمين المجاهدين، ولما وافقا اليهود على ما يسمونه بإعادة بناء هيكل سليمان؛ لأن سليمان يعرف أن شريعته نُسخت، وأنه إذا بعث بعد محمد عليه السلام فلا مكان له إلا أن يكون متبعاً له ولشريعته، فسيبقي المسجد الأقصى، ويصلي فيه، ويحارب اليهود أعداء الله عز وجل.

ومصداق ذلك أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى الصحائف من التوراة في يد رجل من المسلمين من الصحابة رضي الله عنهم غضب أشد الغضب وقال: (أمتهوكون أنتم؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والذي نفسي بيده! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).

أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فنحن في ضوء الهوية الإسلامية أولى بموسى عليه السلام من اليهود، ونحن على دين موسى، وهم ليسوا على دين موسى، ولو بعث الله موسى وداود وسليمان لحاربوا اليهود والنصارى والعلمانيين وسائر الملحدين، ولعبدوا الله في المسجد الأقصى على شريعة الإسلام كما كانوا يعبدونه وحده فيه قبل نسخ شريعتهم، ولرفعوا راية الجهاد في سبيل تطهير فلسطين من قتلة الأنبياء أحفاد القردة والخنازير الملعونين على لسان الأنبياء.

ونذكر مثلاً حياً سيقع قطعاً، وهو: أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر الزمان سوف يحكم بالإسلام، ويحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويصلي أول نزوله مأموماً وراء المهدي، ويقاتل اليهود، بل هو الذي سيقود المسلمين في حربهم ضد اليهود، ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بعيسى ليس بيني وبينه نبي).

فنحن المسلمين أولياء المسيح وأحباؤه، ونحن أتباعه على دين الإسلام الذي جاء به ودعا إليه، ونحن المقصودون بقوله تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:٥٥]، وما أحسن ما قاله صاحب الظلال غفر الله له: عقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله، ومن ثمَّ يتجمع البشر عليها وحدها لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج، والمؤمن ذو نسب عريق ضارب في شعاب الزمان، إنه واحد من ذلك الموكب الكريم الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام.