للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعداء الهوية الإسلامية من الخارج]

إن أعداء الإسلام يحرصون على هويتهم، وفي نفس الوقت يجتهدون في تذويب هويتنا الإسلامية؛ فما يحرمونه علينا يحلونه لأنفسهم.

فهذا نيكسون وهو من أخطر رؤساء أمريكا؛ لأنه رجل مفكر، وله أيدلوجية، وهو منظّر، وليس رئيساً عادياً، يقول في كتابه (انتهز الفرصة): إننا لا نخشى الضربة النووية، ولكننا نخشى الإسلام والحرب العقائدية التي قد تقضي على الهوية الذاتية للغرب! فهذا معناه: أنهم ينظرون إلى موضوع الهوية الإسلامية أنها تهدد الهوية الغربية؛ فهي مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم.

ويقول أيضاً نيكسون: إن العالم الإسلامي يشكل واحداً من أكبر التحديات لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية في القرن الحادي والعشرين.

وبلغ إعجاب كلينتون بالهوية الأمريكية وبعبارة أخرى نقول: بلغ من اغتراره بهذه الهوية أن وجد في نفسه الجرأة بأن قال: إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزاماً مقدساً بتحويل العالم إلى صورتنا، قالها بالإنجليزية: ( To transfer the world in our image).

ولكم أن تتخيلوا كيف تكون صورة هذا العالم الذي يكون نسخة من الغابات المتحدة الأمريكية! ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار جنسون لشئون الشرق الأوسط حتى سنة (١٩٦٧م) يقول: إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي فلسفته وعقيدته ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي لفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام، وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها.

إذاً: الصراع في الحقيقة هو صراع هوية وتذويب، ومنذ زمن قال أحد المسئولين في وزارة الخارجية الفرنسية: ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي؛ فهي حلقة لاحقة لحلقات سابقة، وإذا كان هناك خطر من الشيوعية فهو خطر سياسي عسكري فقط، ولكنه على أي حال ليس خطراً حضارياً تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي؛ والمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، وهم جديرون بأن يقيموا بها قواعد عالم جديد دون حاجة إلى الاستغراب، وفرصتهم في تحقيق أحلامهم هي اكتساب التقدم الصناعي الذي أحرزه الغرب، فإذا أصبح لهم علمهم، وإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الفتي، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الروح الغربية، ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ.

هذا كلام مسئول في وزارة الخارجية الفرنسية، فانظر كيف فهموا قضية الهوية! هذه حقيقة كل ما يجري الآن وما جرى من قبل وما سيجري -والله أعلم- فيما بعد.

وقد حصل صراع سياسي في كندا بين المتحدثين بالإنجليزية وبين المتحدثين بالفرنسية الذين كانوا يريدون الاستقلال بهذه المقاطعة، وهذا كله صراع من أجل الهوية.

وفرنسا رفضت التوقيع على الجزء الثقافي من اتفاقية الجات، والذي يضمن للمواد الثقافية الأمريكية أن تباع بفرنسا بمعدلات اعتبرها الفرنسيون تهديداً صارخاً لهويتهم القومية، وطالبوا بتخفيض هذه المعدلات انطلاقاً من الحرص على الهوية، مع أنهم في الهوى سوى!