للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دواعي عبودية الله عز وجل]

أما دواعي هذه العبودية، فأول داعٍ من دواعي العبودية هو الفطرة، فالإنسان إذا كانت فطرته سليمة فإنها تجذبه إلى التوحيد، حتى قال بعض العلماء: لو أن رجلاً منذ أن ولد وضع في الأغلال، وحبس في غرفة ولم يختلط بأحد حتى بلغ وكلف، فسوف ينطق بـ (لا إله إلا الله)؛ كل إنسان سليم الفطرة يشعر باعترافه بالله سبحانه وتعالى؛ إذ إن هذا أمر فطري، فلذلك لا يحتاج إلى مناقشة، كالذي عوفي من بلاء الفلسفة والإلحاد والمذاهب المشككة، وعوفي من تأثير البيئة الفاسدة كالبيئة النصرانية أو اليهودية أو الشركية من حوله.

فإن هذه البيئة التي حبس فيها تدل على أنه ليس عنده مشكلة، ولا يقبل أصلاً مبدأ أن يناقش قضية وجود الله؛ لأن أقوى دليل هو الفطرة، ويجد أن هذا الشعور مغروس في قلبه، ومغروس في فطرته، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:٣٠]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

وأيضاً من دواعي العبودية: الشرائع، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥]، وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٥].

ومن دواعي العبودية الآيات الكونية التي تكشفها لنا الكشوفات العلمية الحديثة، والإسلام يعتبر التفكر في الآفاق عبادة واجبة على المسلم، فعليه أن يتفكر في هذه الآفاق وفي مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فإنه لما نزلت الآيات الخواتيم في سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:١٩٠ - ١٩١] بكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لقد أنزلت عليّ الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها!)، فهذا الوعيد يدل على وجوب التفكر في هذه الآيات بالذات، وهي تشمل التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى.

ويقول تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام:٧٥]، فالتفكر في هذا يورث اليقين.

ويقول تبارك وتعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١] وهذه من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، ويقول عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:٥٣].

ومجال الإعجاز العلمي في نصوص القرآن والسنة مجال رحب جداً، وحتى لا نخرج من موضوعنا نكتفي بهذه الإشارة إلى أن هذا أحد موجبات العبودية.