للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا بد من توحيد الألوهية لدخول الإسلام]

توحيد الألوهية: هو توحيد العبادة والقصد.

فتوحيد الألوهية أو توحيد الإلهية: هو توحيد الله بأفعال العباد، فلا يصرف الإنسان عبادته إلا إلى الله، كما أنه لا رازق إلا الله، ولا خالق إلا الله، ولا محيي ولا مميت إلا الله؛ فكذلك لا معبود إلا الله سبحانه وتعالى.

فهذا هو معنى توحيد الإلهية، أي: ألا تعبد إلا الله وتكفر بكل ما سواه من الآلهة الباطلة، سواء ما جاء عن الآباء والأجداد {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣]، أو كان هذا الإله هو الشيطان، أو الطاغوت وهو الحاكم بغير ما أنزل الله، وكذلك الساحر، والكاهن، والعراف الذي يدعي معرفة الغيب، والمال، والبنون كل هذه آلهة باطلة تعبد من دون الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن تفرد الله بالعبادة.

ما معنى العبادة؟ العبادة كما عرفها العلماء: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة.

فهذا هو معنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، فلا يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى، فقد يكون الإنسان مؤمناً بأنه لا يرزق إلا الله، ولا يحيي إلا الله، ولا يميت إلا الله، ومع ذلك يشرك في العبادة، فيؤدي عبادته لغير الله، فهذا أشرك في الألوهية، فالمقصد الأسمى من دعوة الرسل: ألا يُعبد إلا الله، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] أي: اعبدوني وحدي: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] المقصود: ليعبدوني وحدي، ولا يشركوا معي غيري في هذه العبادة.

توحيد الربوبية لا يدخل صاحبه الجنة، ولا ينجي صاحبه من النار، وصاحب توحيد الربوبية ليس له فضل؛ كالنصراني الذي يؤمن بأن هناك إلهاً، وأن هناك خالقاً، وأن هناك رازقاً، ويقول: إن شاء الله، وبإذن الله.

هذا ليس بمؤمن، ولا يصح أن يطلق عليه لفظ الإسلام أو الإيمان، فهو كافر بالله؛ لأنه لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يوحد الله توحيد الألوهية ولا توحيد الأسماء والصفات، فالذي يؤمن بتوحيد الربوبية هذا ليس له فضل، ولا ينقذه هذا من النار.

وحتى الشيوعيون الملاحدة أيضاً -ولا شك- يوحدون توحيد الربوبية، وإن جحدوا ذلك في الظاهر، فيقولون: لا إله، والحياة مادة، ويجعلون الإلحاد -والعياذ بالله- علماً له أصول، ويدرس عندهم، ويدعون الناس إليه على أسس وقواعد باطلة هي من تضليلهم، فإن حالهم كسائر الكفار ما أخبر الله عنهم أنهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥]، حتى لينين الذي هو من كبار الشيوعيين الملاحدة عند مرض موته كان يجلس عنده الزعماء والسياسيون والطواغيت يحضرون ساعة احتضاره، فلما اشتد عليه الاحتضار قال مرة: يا إلهي!! أو يا ألله!! فصرخوا واستنكروا هذه المقولة، فاعتذر عن هذه الكلمة، لكنه كان بفطرته يشعر بحاجته إلى الله سبحانه وتعالى!! كذلك أي واحد منا في أي كرب من الكربات، سواء أشرف على الهلاك في حادث من الحوادث، أو أصابه مرض، أو وقع في أي ضائقة، مهما بلغ من العصيان أو التمرد على الله سبحانه وتعالى، أو المحاربة لأمر لله ونهيه، فإنه عند الضائقة يدعو الله مخلصاً له الدين، وينسى كل شيء كان يغتر به من مال أو سلطان أو غيره، ولا يذكر إلا الله وحده، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:٦٧]، فيخبر الله سبحانه وتعالى أن هذه الفطرة المتأصلة في قلب الإنسان موجودة، وأنها أعظم ما تستيقظ حينما يوقن الإنسان بالهلاك، فإنه حينئذ يخرج هذا الرصيد المتمكن من الفطرة في قلبه ليدعو الله وحده، وينسى ما يشرك من دون الله سبحانه وتعالى، فحتى هؤلاء الملاحدة الشيوعيون الذين ينكرون وجود الله، فإذا وقع بأحدهم الكرب فإنه لا يدعو إلا الله؛ بل يدعو من كل قلبه الله سبحانه وتعالى مخلصاً له الدين.

فهذا هو توحيد الألوهية، أي: توحيد الله بأفعال العباد، وهذا هو التوحيد الذي كلفنا الله به، ألا نعبد إلا الله سبحانه وتعالى حق عبادته.