للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الاستئذان]

الأصل في الاستئذان أن يكون باللفظ، وهنا أنبه على أمر مهم جداً: وهو احترام خصوصية الإنسان في حدود شرع الله سبحانه وتعالى، فترى بعض الناس يأتي إلى الأطفال الصغار ويريد أن يتلصص إلى معرفة أسرار البيوت من خلالهم، وهذا كثير في النساء؛ لأن النساء يتمتعن -إلا الأخوات الملتزمات- بقدر من الفضول غريب، فيقول في نفسه: إنّ الطفل الصغير لن يستطيع أن يميز، فيتتبعون الأطفال لهذا الغرض، فبدلاً من أن يدخل ويتلصص بنفسه، ويتجسس على عورات البيوت؛ تراه يمسك الأطفال ويقول في نفسه: هذا مصدر آمن للتجسس على أحوال الناس، فيأتي بالطفل ويسأله عن أسرار البيت: ماذا حصل في كذا؟ وماذا قالوا في كذا؟ وماذا عندكم؟ وماذا عملتم في كذا؟ إلى آخر هذه الأشياء، فكيف التصرف في هذه الحالة؟ سنشوه صورة الكبار في عين الطفل، اقترحوا معنا حلاً للمشكلة هذه، قد يوجد في داخل بعض البيوت أسرار، كما يقول المثل العامي الذي يكون أحياناً حكيماً: البيوت أسرار، فلو أراد أحد أن يستغل براءة الطفل في أن يطلع على هذه الأسرار فكيف تحتاط لذلك؟ كلمة (تربية الأولاد) كلمة فضفاضة، ونحن نريد حلاً لمشكلة محددة.

والحل: أن تعلم الطفل أن أي إنسان يسأله عن هذه الأمور أن يقول له: اسأل أبي، أو اسأل أمي، وتحفظه هذا بدون أن تشرح له؛ حتى لا يظهر الناس الكبار أمامه بصورة مشوهة، فإنك إذا قلت له: هذا فلان يتجسس، وهذا يرتكب معصية، ستشوش الكبار أمامه، لكن الأحسن من ذلك أن تعلمه أن من سأله عن أسرار البيت وخصوصياته أن يقول له: اسأل أبي، أو اسأل أمي، وهنا سوف يفهم هذا المتطفل أن هناك أحداً لقنه هذا الموضوع، وأنه منتبه لهذا العدوان.

فالأصل في الاستئذان -كما قلنا سابقاً- أن يكون باللفظ، كما بين الله سبحانه وتعالى، وصيغته المثلى أن يقول المستأذن: السلام عليكم، أأدخل؟ فيجمع بين السلام والاستئذان، وما أروع أن يبدأ بالسلام الذي هو ذكر الله سبحانه وتعالى باسم من أسمائه سبحانه، وله فضيلة عظيمة جداً كما هو معلوم، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧].

قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي رحمه الله تعالى: وأمر مع الاستئذان بالسلام؛ إذ هو من سنة المسلمين التي أمروا بها، ولأن السلام أمان منه لهم، وهو تحية أهل الجنة، ومجلبة للمودة، وناف للحقد والضغينة.

لقد سبق أن تكلمنا من قبل عن فضائل السلام، والمسلم يتحسر على ما وصل إليه المسلمون! فتجد بعض الناس يتحرى ألاّ يقترب من الأمور التي فيها هذه الآداب الإسلامية، وبعض الناس يتكبر عن أن يرد السلام، ويظن أن هذه تحية من تحايا العرب المتخلفين، أما هم فتراهم يستعملون هذه التحايا الشيطانية الجاهلية: صباح الخير، ومساء الخير، إن لم تكن أيضاً باللغة الأجنبية كما يحصل الآن من بعض المنهزمين، وما درى هؤلاء المساكين أنهم في عدم إلقاء السلام عليهم قد أضروا أنفسهم بعقوبة شرعيه يعاقب بها الفاسق والمبتدع والكافر، وإن كان لا يستحق الرد، فهذا تشريف له أن تبدأه بالسلام.

ومن العقوبة للمبتدع، أو الفاسق، أو العاصي، أنك لا تبدؤه بالسلام؛ لأن ذلك تشريف له، فترى الواحد من هؤلاء يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويفضل الدونية في تحية صباح الخير، ومساء الخير, وغيرها من الألفاظ العجمية، بدلاً من: السلام عليكم، وهذا من السفه، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

عن ربعي بن خراش قال: حدثنا رجل من بني عامر قال: (إنه أستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج -يعني: أأدخل-؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، وقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له، فدخل)، إن كثيراً من المواقف يحصل فيها خطأ في مراعاة آداب الاستئذان، ثم نجد الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم الناس هذا الأدب، وهذه وظيفة المربي دائماً: أنك ما تفوت فرصة إلا وتعلم الطفل، ونتكلم عن الطفل لأنه لا يزال عوداً غضاً طرياً يقبل التشكيل كالعجينة، أما الكبار فيصعب تشكيلهم إلى حد ما، إلا من كان ملتزماً حقيقياً بدين الله تعالى؛ فإنه إذا سمع حكم الله يقول: سمعنا وأطعنا.