للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة النظر والتطلع في بيوت الغير بدون علمهم]

دلت الأحاديث الصحيحة على أنه يحرم على المستأذن أن ينظر في بيوت الغير على حين غفلة منهم، ومن دون أن يتنبهوا لوجوده، فيحتاطوا لذلك، وحينما نقول: يحرم أن ينظر الإنسان في بيوت الغير بدون إذن منهم، نعني بذلك النظر من خلال باب مفتوح أو غيره؛ لأننا قلنا: إن كان الباب مفتوحاً فإن الشرع قد أغلقه بتحريم النظر فيه، حتى يفتحه الإذن من صاحبه، فالنظر سواء كان من باب، أو جدار، أو شق في الباب، أو ثقب في الحائط، أو نافذة، أو كوة، أو فروج في بيت شعر أو خيمة فيها فتحات، فلا يجوز لإنسان أن ينظر في بيوت الغير على حين غفلة منهم دون أن يتنبهوا لوجوده فيحتاطوا لذلك، فمن ذلك حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (اطلع رجل من حجرة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى -مشط- يحك به رأسه، فقال عليه الصلاة والسلام: لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه)، وفي رواية: (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فلا دية ولا قصاص)؛ لأنها عين خائنة، فهي هدر.

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح).

وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرئ أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل).

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من ملأ عينه من قاعة بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق.

وعن أبي سويد العبدي قال: أتينا ابن عمر رضي الله عنهما فجلسنا ببابه ليؤذن لنا، فأبطأ علينا الإذن، فقمت إلى جحر في الباب فجعلت أطلع فيه، ففطن بي، فلما أذن لنا جلسنا، فقال: أيكم اطلع آنفاً في داري؟ قلت: أبطأت علينا فنظرت، فلم أتعمد ذلك.

أي: أنه اعتذر له عن ذلك.

وعن مسلم بن نذير قال: استأذن رجل على حذيفة رضي الله عنه فاطلع -يعني: أنه وهو يستأذن اطلع على داخل البيت- وقال: أدخل؟ فقال حذيفة رضي الله عنه: أما عينك فقد دخلت، وأما استك فلم تدخل.

وعن القعقاع بن عمرو قال: صعد الأحنف بن قيس فوق بيته فأشرف على جاره فقال: سوءة سوءة، -أي: أنه لم يتعمد النظر- دخلت على جاري بغير إذن، لا صعدت فوق هذا البيت أبداً.

وذلك تكفيراً عن هذا الشيء الذي لم يقصده.

فلا يحل لإنسان أبداً أن يطلع من مكان عال على جيرانه الذين هم دونه، وهذا خلق من صميم أخلاق الإسلام، وقد كان من أخلاق الجاهلية، حتى إنّ عنترة الشاعر الجاهلي المعروف يفتخر قائلاً: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها ويقول مسكين الدارمي: ما ضر جاري إذ أجاوره ألا يكون لبيته ستر أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدر فرعاية حرمة الجار، وغض البصر عن عورات الجيران كان موجوداً في الجاهلية، فزادت حرمة الجار في ظل الإسلام، ونحن الآن في زمان كما قال بعض العلماء صرنا في زمان ليس فيه آداب الإسلام، ولا أخلاق الجاهلية، ولا أحلام ذوي المروءة.

إلا من رحم الله.